موسوعة شــــــــــــــــــعراء العربية
المجلد الثامن - شعراء النهضة العربية
.
بقلم فالح الكيــــلاني
.
الشاعر ابراهيم ناجي
(شاعرالاطلال)
.
.
هو إبراهيم ناجي بن أحمد ناجي بن إبراهيم ناجي القصبجي
ولد في حي شبرا بالقاهرة في الحادي والثلاثين من شهر كانون الاول (ديسمبر) عام \1898، من أسرة القصبجي المعروفة بتجارة الخيوط المذهبة، عمل والده في شركة البرق (التلغراف)، وهي شركة إنجليزية، اذ كانت مصر تحت الهيمنة البريطانية، فأجاد اللغة الإنجليزية، وتمكن من الفرنسية والإيطالية، وكان شغوفاً بالمطالعة، وامتلك في بيته مكتبة حافلة بأمهات الكتب
.
نشأ ابنه إبراهيم على حب المطالعة، وشجعه على القراءة، وكان يهدي إليه الكتب، فأتقن العربية والفرنسية والإنجليزية والألمانية، وأمه هي السيدة (بهية بنت مصطفى سعودي) التي ينتهي نسبها إلى الحسين السبط بن علي بن ابي طالب عليه السلام، وتمت بصلة قربى من جهة الأخوال إلى الشيخ عبدالله الشرقاوي .
.
حصل ناجي على شهادة الدراسة الثانوية سنة \ 1917 ثم انتسب إلى كلية الطب، وتخرج منها سنة \ 1923، وافتتح عيادة بميدان العتبة بالقاهرة، وكان يعامل مرضاه معاملة طيبة، وفي كثير من الحالات بدون أجرة معاينة ، بل يدفع لبعضهم ثمن الدواء، ثم شغل عدة مناصب في وزارات مختلفة، ثم نقل إلى سوهاج ثم المنيا ثم المنصورة، واستقر فيها من عام\ 1927 إلى عام \ 1931 حيث عاد إلى القاهرة وسكن فيها .
.
عاش في بلدة (المنصورة) في بداية حياته وفيها رأى جمال الطبيعة وجمال نهر النيل فغلب على شعره الاتجاه العاطفى. وكان قد نهل من الثقافة العربية القديمة فدرس العروض والقوافي وقرأ دواوين اشهر الشعراء مثل المتنبي وابن الرومي وأبي نواس وغيرهم من فحول الشعر العربي، كما نهل من الثقافة الغربية فقرأ قصائد شيلي وبيرون وآخرين من رومانسيي الشعر الغربي.
.
بدأ حياته الشعرية حوالي عام \ 1926 عندما بدأ يترجم بعض أشعار الفريد دي موسييه و توماس مور شعراً وينشرها في مجلة (السياسة) الأسبوعية ، وانضم إلى مدرسة ( أبولو )عام \1932م التي أفرزت نخبة من الشعراء المصريين والعرب استطاعوا قيادة حركة تجديد ية للقصيدة العربية الحديثة من الكلاسيكية والخيالات والإيقاعات المتوارثة .
.
تفتحت موهبة إبراهيم ناجي الشعرية مبكرا فقد نظم الشعر وهو في الثانية عشرة من العمر، وشجعه والده علي ذلك وفتح له خزائن مكتبته، وأهداه ديوان شوقي ثم ديوان حافظ وديوان الشريف الرضي، ومن شعره في الصبا قصيدة قالها وهو في الثالثة عشرة من عمره، عنوانها (على البحر) ، وفيها يقول :
إني ذكرتك باكيا
والأفق مغبر الجبين
والشمس تبدو وهي
تغرب شبه دامعة العيون
والبحر مجنون العباب
يهيج ثائرة جنوني
.
ابراهيم ناجي يميل الى الرومانسية كما اشتهر بشعره الوجداني . وكان وكيلا لمدرسة (أبولو ) الشعرية التجديدية وترأس من بعدها رابطة الأدباء في الأربعينيات من القرن الماضي .
.
ترجم إبراهيم ناجي بعض الأشعار عن الفرنسية ل(بودلير )تحت عنوان( أزهار الشر )، وترجم عن الإنجليزية رواية( الجريمة والعقاب) لديستوفسكي ، وعن الإيطالية رواية( الموت في إجازة )، كما نشر دراسة عن( شكسبير) وكتب الكثير من الكتب الأدبية مثل (مدينة الأحلام و عالم الأسرة) . وقام بإصدار مجلة (حكيم البيت) . ومن أشهر قصائده قصيدة الأطلال التي تغنت بها المطربة العربية أم كلثوم. و لقب (بشاعر الأطلال ).عام \ 1953
وقيل لهذه القصيدة قصة في حياته مؤلمة :
فقد احب فتاة أيام كان في الدراسة الثانوية كانت زميلته وتعلق بها الا أنها تزوجت بغيره فتهدمت مشاعره وكتب أكثر قصائده شهرة عن نظرته لهذه التجربة مصوراً أن ما بقي من عمره مجرد أطلال لروحه ولكنه عاد في نهاية القصيدة يستسلم للقدر و القصيدة عنوانها (الأطلال) وتقع في أكثر من مائة وثلاثين بيتاً على شكل مقاطع شعرية يتألف كل مقطع من أربعة أبيات، نظمها على بحرالرمل وبتصرف وقد غنت أم كلثوم مقاطع منها مع بعض التعديل في الألفاظ و بعد ضم مقاطع من قصيدة أخرى له عنوانها (الوداع):
. يا فؤادي لا تسل أين الهوى
كان صرحاً من خيا ل فهوى
.
في شهرايلول من عام \1932 صدر العدد الأول من مجلة (جمعية أبولو)، وكان رئيس تحريرها\ أحمد زكي أبو شادي، وقد اشترك إبراهيم ناجي مع أحمد زكي أبو شادي في إصدار المجلة، وفي العدد الثاني من المجلة تم الإعلان عن تأسيس جمعية أبوللو الشعرية .
.
في تشرين الثاني من نفس العام اجتمع لفيف من الأدباء في ( كرمة ابن هانئ )، وفيهم إبراهيم ناجي، وانتخب أحمد شوقي رئيساً للجمعية، ولكنه توفي بعد أربعة أيام، فخلفه نائبه مطران خليل مطران، وكان إبراهيم ناجي من الأعضاء المؤسسين لها ، وبعد أقل من عام جرت انتخابات جديدة في 22 سبتمبر ايلول عام \1933 وانتخب مطران رئيساً وأحمد محرم وإبراهيم ناجي وكيلين وأحمد زكي أبو شادي سكرتيراً.
.
هدفت هذه الجماعة إلى البعد عن الأغراض التقليدية وادب المناسبا ت وتوجهت لتوغل في الاتجاه الذاتي أي تعبير الشاعرعن مكنونات نفسه وما يعتلج في قلبه ويحس به حقا وصدقا بصورة اكثر انفتاحا وقربا من الادب الغربي اضافة الى التحرر من الصنعة والتكلف .
.
نشر إبراهيم ناجي معظم ما كتب من شعر وما ترجم على صفحات مجلة ابوللو ، وكان من أشهر ما ترجمه قصيدة (البحيرة) للشاعر الفرنسي لامارتين وقصيدة (أغنية الريح الغربية) للشاعر الإنجليزي الروما نتيكي شيلي، وقد صدر من المجلة خمسة وعشرون عدداً من ايلول \1932 إلى كانون الاول\1934، ثم توقفت عن الصدور.
.
اشتهر ناجي بشعره الوجداني ورأس رابطة الأدباء في مصر في الأربعينيات من القرن الماضي وعرف عنه تأثره بالشاعرين رفيقيه مطران خليل مطران وأحمد شوقي. سأم الحياة فاخذ يكتب قصائد الهجاء في هذا وذاك و يترجم ويكتب القصص، فكتب قصة (مدينة الأحلام)، تحدث فيها عن حبه الطفولي الأول، ونشرها مع قصص أخرى مؤلفة ومترجمة في كتاب يحمل العنوان نفسه، قال في مقدمته: (وداعاً أيها الشعر، وداعاً أيها الفن، وداعاً أيها الفكر).
.
نقل الشاعر إلى وزارة الأوقاف، حيث عيّن رئيس القسم الطبي، فاطمأنت نفسه، لما وجد فيها من تقدير وتكريم، وقد عاصر ثلاثة وزراء كانوا يقدرون الشعر والشعرا ء، وهم عبد الهادي الجندي وإبراهيم الدسوقي وعبد الحميد عبد الحق وفي هذه المرحلة أخذ يمدح كل من ساعده ومد له يد العون والمساعدة وكان من أبرز من مدحهم إبراهيم الدسوقي وزير الأوقاف، وفي الاحتفال الطبي الذي عقد عام \ 1937الذي حضره العديد من الوفود من الاقطار العربية قا ل قصيدته الميمية
التالية مرحبا :
يا شاعرَ الوادي وغرّيد الرّبى
قُلْ للضيوفِ تحيّةً وسلاما
مصرالعريقُ وفادُها حفَظْتُ
لكُم َهْداً على طُول المَدى وزِمَاما
لستُمْ بها غُرَباءَ, أَنْتُمْ أَهْلُها
أَنّى حَللَتُم تَنّزِلُون كِراما
الشّرْقُ مَهْدٌ للنبوغِ ومَوْلدٌ
للمجْدِ فيه رَبَا وشَبّ غُلاما
زَكَت النبوّة في حِمَاهُ ورعْرعتْ
وتألّقت كالفرقديّنِ نِظَاما
مُوسى الذي شَقّ العُبابَ وفجّر
الصخّر العنيدَ سواكباً تترامى
عيسى الذي فدّى الوجودَ وعلم
الغفّران والإحسانَ والإكراما
ومحمّدٌ يَكْفيكَ أنّ محمّداَ
بيّن البريّةِ أَوْجَدَ الإسلاما
هذا هو الشّرْقُ العظيم لم يزل
نوراً لمن رَام الهدى وإماما
.
أخرج من وظيفته عام 1952، ولم يكن يدخر شيئا فعاش في ضنك وتنكر له أقرب الناس إليه، بمن فيهم زوجته، لذا تغيرت حاله وأخذ ينغمس في السهر، وفي هذه المرحلة تعرف إلى ممثلة اسمها ( زازا ) وأحبها ، ونظم فيها قصيدة مطولة باسمها مصوراً إياها بالربيع الذي حل على خريف حياته و في قصيدته (أنوار المدينة) يقول:
ضحكت لعيني المصابيح التي
تعلو رؤوس النيل كالتيجان
ورأيت أنوار المدينة بعدما
طال المسير وكلت القدمان
وحسبت أن طاب القرار لمتعب
في ظل تحنان وركن آمان
فإذا المدينة كالضباب تبخرت
وتكشفت لي عن كذوب اماني
قدر جرى لم يجر في الحسبان
لا أنت ظالمة ولا انا جاني
.
اهمل ابراهيم ناجي صحته في اواخرايامه وكان مصابا بداء السكري ، ولا يأخذ العلاج، فاشتد عليه المرض داء السكري،
.
توفي في 25 مارس ( ايار ) 1953 عن عمر ناهز الخامسة والخمسين، ودفن إلى جوار جده لأمه الشيخ عبد الله الشرقاوي، في مسجده بجوار مقام سيدنا الحسين رضي الله عنه.
.
صدرت عن الشاعر إبراهيم ناجي بعد رحيله عدة دراسات مهمة، منها:
إبراهيم ناجي للشاعر صالح جودت
ابراهيم ناجي للدكتورة نعمات أحمد فؤاد
كما كتبت عنه العديد من الرسائل العلمية بالجامعات المصرية
.
ابراهيم ناجي مر بظروف عصيبة في حياته وتخلى عنه الأقارب والأحباب في أحيان كثيرة لذا جاء شعره معبرا عن نزوع فردي رومانسي حزين، فشعره ذاتي، يكاد يكون خالصاً للحب والوجدان، للقهر والحرمان، فهو يعبر عن قلب محروم، ويصدر عن رؤية متشائمة، ونظرة حزينة، وروح مكتئبة. فانت تشعر وانت تقرا شعره بنوع من العذاب اوالفرقة عن الحبيب كتب يقول :
سألتك يا صخرة الملتقى متى
يجمع الدهر ما فرقا
إذا نشر الغرب أثوابه
وأطلق في النفس ما أطلقا
أريك مشيب الفؤاد الشهيد
والشيب ما كلل المفرقا
.
الشاعر رومانسي يجد ضالته و سعادته في ظلال الحب الخالدة باعتباره يحمل عاطفة قد تضم الكون بأسره فهو دائما وأبدا حزين يبحث عن عوالم المثل الانسانية التي ينشدها ليغرق فيها يقول:
إني امرؤ عشت زما ني حائرا معذبا
أمشي بمصباحي وحيداً في الرياح متعبا
أمشي به وزيته كاد به ان ينضبا
عشت زماني لا أرى لخافقي متقلبا
.
الا ان شعره لا يخلو من الأبيات المتفائلة بالطبيعة مثل قصيدته (الربيع) والتي يخاطبه فيها بقوله:
مرحى ومرحى يا ربيع العام
أشرق فدتك مشارق الأيام
بعد الشتاء وبعد طول عبوسه
أرنا بشاشة ثغرك البسام
وابعث لنا أرج النسيم معطراً
متخطراً كخواطر الأحلام
و قصيدة كتبها مخاطبا إبنيه عماد وأميرة:
يا ابنتي إني لأشعر أني
ملأت مهجتي شموس منيرة
أشرقت فرحتان عندي
فهذي لعماد وهذه لأميرة
أنتما فرقدان ، وهو جديد
بالذي ناله وأنت جديرة
اغنما كل ما يطيب وفوزا
بالمسرات والأماني الوفيرة
وافرحا بالذي يطيب ويرجى
عيشة نضرة وعين قريرة
ومن قصيدة بعنوان ( مصر) يفتتحها بقوله:
أجل إن ذا يوم لمن يفتدي مصرا
فمصر هي المحراب والجنة الكبرى
أجل عن ماء النيل قد مر طعمه
تناوشه الفتاك لم يدعو شبرا
فهلا وقفتم دونها تمنحوها
أكفاً كماء المزن تمطر خيرا
سلاما شباب النيل في كل موقف
على الدهر يجني المجد أو يجلب الفخرا
تعالوا فقد حانت أمور عظيمة
فلا كان منا غافل يصم العصرا
شباب نزلنا حومة المجد كلنا
ومن يغتدي للنصر ينتزع النصرا
.
واختم مقالتي عن الشاعر ابراهيم ناجي بمقاطع من قصيدته المشهورة
قصيدة (الاطلال) التي لاتزال نرددها على شفاهنا بلحنها الجميل وصوت ام كلثوم الشجي وسيرددها الاجيال بعدنا وتعد من روائع الشعرالعربي :
يا فؤادي، رحم الله الهوى
كان صرحا من خيال فهوى
اسقني واشرب على أطلاله
وارو عني، طالما الدمع روى
كيف ذاك الحب أمسى خبرا
وحديثاً من أحاديث الجوى
وبساطاً من ندامى حلم
هم تواروا أبداً، وهو انطوى
*****************
يا رياحاً، ليس يهدا عصفها
نضب الزيت ومصباحي انطفا
وأنا أقتات من وهم عفا
وأفي العمر لناس ما وفى
كم تقلبت على خنجره لا
الهوى مال، ولا الجفن غفا
وإذا القلب - على غفرانه –
كلما غار به النصل عفا
***************
يا غراماً كان مني في دمي
قدراً كالموت، أو في طعمه
ما قضينا ساعة في عرسه
وقضينا العمر في مأتمه
ما انتزاعي دمعة من عينه
واغتصابي بسمه من فمه
ليت شعري أين منه مهربي
أين يمضي هارب من دمه ؟
***************
لست أنساك وقد ناديتني
بفم عذب المناداة رقيق
ويد تمتد نحوي، كيد
من خلال الموج مدت لغريق
آه يا قبلة أقدامي، إذا
شكت الأقدام أشواك الطريق
وبريقاً يظمأ الساري له
أين في عينينك ذياك البريق ؟
******************
لست أنساك، وقد أغريتني
بالذرى الشم،فأدمنت الطموح
أنت روح في سمائي، وأنا
لك أعلو، فكأني محض روح
يا لها من قمم كنا بها
نتلاقى، وبسرينا نبوح
نستشف الغيب من أبراجها
ونرى الناس ظلال في السفوح
امير البيـــــــــــــان العربي
د فالح نصيف الحجية الكيلاني
العراق- يالى - بلـــــــــــد روز
****************
المجلد الثامن - شعراء النهضة العربية
.
بقلم فالح الكيــــلاني
.
الشاعر ابراهيم ناجي
(شاعرالاطلال)
.
.
هو إبراهيم ناجي بن أحمد ناجي بن إبراهيم ناجي القصبجي
ولد في حي شبرا بالقاهرة في الحادي والثلاثين من شهر كانون الاول (ديسمبر) عام \1898، من أسرة القصبجي المعروفة بتجارة الخيوط المذهبة، عمل والده في شركة البرق (التلغراف)، وهي شركة إنجليزية، اذ كانت مصر تحت الهيمنة البريطانية، فأجاد اللغة الإنجليزية، وتمكن من الفرنسية والإيطالية، وكان شغوفاً بالمطالعة، وامتلك في بيته مكتبة حافلة بأمهات الكتب
.
نشأ ابنه إبراهيم على حب المطالعة، وشجعه على القراءة، وكان يهدي إليه الكتب، فأتقن العربية والفرنسية والإنجليزية والألمانية، وأمه هي السيدة (بهية بنت مصطفى سعودي) التي ينتهي نسبها إلى الحسين السبط بن علي بن ابي طالب عليه السلام، وتمت بصلة قربى من جهة الأخوال إلى الشيخ عبدالله الشرقاوي .
.
حصل ناجي على شهادة الدراسة الثانوية سنة \ 1917 ثم انتسب إلى كلية الطب، وتخرج منها سنة \ 1923، وافتتح عيادة بميدان العتبة بالقاهرة، وكان يعامل مرضاه معاملة طيبة، وفي كثير من الحالات بدون أجرة معاينة ، بل يدفع لبعضهم ثمن الدواء، ثم شغل عدة مناصب في وزارات مختلفة، ثم نقل إلى سوهاج ثم المنيا ثم المنصورة، واستقر فيها من عام\ 1927 إلى عام \ 1931 حيث عاد إلى القاهرة وسكن فيها .
.
عاش في بلدة (المنصورة) في بداية حياته وفيها رأى جمال الطبيعة وجمال نهر النيل فغلب على شعره الاتجاه العاطفى. وكان قد نهل من الثقافة العربية القديمة فدرس العروض والقوافي وقرأ دواوين اشهر الشعراء مثل المتنبي وابن الرومي وأبي نواس وغيرهم من فحول الشعر العربي، كما نهل من الثقافة الغربية فقرأ قصائد شيلي وبيرون وآخرين من رومانسيي الشعر الغربي.
.
بدأ حياته الشعرية حوالي عام \ 1926 عندما بدأ يترجم بعض أشعار الفريد دي موسييه و توماس مور شعراً وينشرها في مجلة (السياسة) الأسبوعية ، وانضم إلى مدرسة ( أبولو )عام \1932م التي أفرزت نخبة من الشعراء المصريين والعرب استطاعوا قيادة حركة تجديد ية للقصيدة العربية الحديثة من الكلاسيكية والخيالات والإيقاعات المتوارثة .
.
تفتحت موهبة إبراهيم ناجي الشعرية مبكرا فقد نظم الشعر وهو في الثانية عشرة من العمر، وشجعه والده علي ذلك وفتح له خزائن مكتبته، وأهداه ديوان شوقي ثم ديوان حافظ وديوان الشريف الرضي، ومن شعره في الصبا قصيدة قالها وهو في الثالثة عشرة من عمره، عنوانها (على البحر) ، وفيها يقول :
إني ذكرتك باكيا
والأفق مغبر الجبين
والشمس تبدو وهي
تغرب شبه دامعة العيون
والبحر مجنون العباب
يهيج ثائرة جنوني
.
ابراهيم ناجي يميل الى الرومانسية كما اشتهر بشعره الوجداني . وكان وكيلا لمدرسة (أبولو ) الشعرية التجديدية وترأس من بعدها رابطة الأدباء في الأربعينيات من القرن الماضي .
.
ترجم إبراهيم ناجي بعض الأشعار عن الفرنسية ل(بودلير )تحت عنوان( أزهار الشر )، وترجم عن الإنجليزية رواية( الجريمة والعقاب) لديستوفسكي ، وعن الإيطالية رواية( الموت في إجازة )، كما نشر دراسة عن( شكسبير) وكتب الكثير من الكتب الأدبية مثل (مدينة الأحلام و عالم الأسرة) . وقام بإصدار مجلة (حكيم البيت) . ومن أشهر قصائده قصيدة الأطلال التي تغنت بها المطربة العربية أم كلثوم. و لقب (بشاعر الأطلال ).عام \ 1953
وقيل لهذه القصيدة قصة في حياته مؤلمة :
فقد احب فتاة أيام كان في الدراسة الثانوية كانت زميلته وتعلق بها الا أنها تزوجت بغيره فتهدمت مشاعره وكتب أكثر قصائده شهرة عن نظرته لهذه التجربة مصوراً أن ما بقي من عمره مجرد أطلال لروحه ولكنه عاد في نهاية القصيدة يستسلم للقدر و القصيدة عنوانها (الأطلال) وتقع في أكثر من مائة وثلاثين بيتاً على شكل مقاطع شعرية يتألف كل مقطع من أربعة أبيات، نظمها على بحرالرمل وبتصرف وقد غنت أم كلثوم مقاطع منها مع بعض التعديل في الألفاظ و بعد ضم مقاطع من قصيدة أخرى له عنوانها (الوداع):
. يا فؤادي لا تسل أين الهوى
كان صرحاً من خيا ل فهوى
.
في شهرايلول من عام \1932 صدر العدد الأول من مجلة (جمعية أبولو)، وكان رئيس تحريرها\ أحمد زكي أبو شادي، وقد اشترك إبراهيم ناجي مع أحمد زكي أبو شادي في إصدار المجلة، وفي العدد الثاني من المجلة تم الإعلان عن تأسيس جمعية أبوللو الشعرية .
.
في تشرين الثاني من نفس العام اجتمع لفيف من الأدباء في ( كرمة ابن هانئ )، وفيهم إبراهيم ناجي، وانتخب أحمد شوقي رئيساً للجمعية، ولكنه توفي بعد أربعة أيام، فخلفه نائبه مطران خليل مطران، وكان إبراهيم ناجي من الأعضاء المؤسسين لها ، وبعد أقل من عام جرت انتخابات جديدة في 22 سبتمبر ايلول عام \1933 وانتخب مطران رئيساً وأحمد محرم وإبراهيم ناجي وكيلين وأحمد زكي أبو شادي سكرتيراً.
.
هدفت هذه الجماعة إلى البعد عن الأغراض التقليدية وادب المناسبا ت وتوجهت لتوغل في الاتجاه الذاتي أي تعبير الشاعرعن مكنونات نفسه وما يعتلج في قلبه ويحس به حقا وصدقا بصورة اكثر انفتاحا وقربا من الادب الغربي اضافة الى التحرر من الصنعة والتكلف .
.
نشر إبراهيم ناجي معظم ما كتب من شعر وما ترجم على صفحات مجلة ابوللو ، وكان من أشهر ما ترجمه قصيدة (البحيرة) للشاعر الفرنسي لامارتين وقصيدة (أغنية الريح الغربية) للشاعر الإنجليزي الروما نتيكي شيلي، وقد صدر من المجلة خمسة وعشرون عدداً من ايلول \1932 إلى كانون الاول\1934، ثم توقفت عن الصدور.
.
اشتهر ناجي بشعره الوجداني ورأس رابطة الأدباء في مصر في الأربعينيات من القرن الماضي وعرف عنه تأثره بالشاعرين رفيقيه مطران خليل مطران وأحمد شوقي. سأم الحياة فاخذ يكتب قصائد الهجاء في هذا وذاك و يترجم ويكتب القصص، فكتب قصة (مدينة الأحلام)، تحدث فيها عن حبه الطفولي الأول، ونشرها مع قصص أخرى مؤلفة ومترجمة في كتاب يحمل العنوان نفسه، قال في مقدمته: (وداعاً أيها الشعر، وداعاً أيها الفن، وداعاً أيها الفكر).
.
نقل الشاعر إلى وزارة الأوقاف، حيث عيّن رئيس القسم الطبي، فاطمأنت نفسه، لما وجد فيها من تقدير وتكريم، وقد عاصر ثلاثة وزراء كانوا يقدرون الشعر والشعرا ء، وهم عبد الهادي الجندي وإبراهيم الدسوقي وعبد الحميد عبد الحق وفي هذه المرحلة أخذ يمدح كل من ساعده ومد له يد العون والمساعدة وكان من أبرز من مدحهم إبراهيم الدسوقي وزير الأوقاف، وفي الاحتفال الطبي الذي عقد عام \ 1937الذي حضره العديد من الوفود من الاقطار العربية قا ل قصيدته الميمية
التالية مرحبا :
يا شاعرَ الوادي وغرّيد الرّبى
قُلْ للضيوفِ تحيّةً وسلاما
مصرالعريقُ وفادُها حفَظْتُ
لكُم َهْداً على طُول المَدى وزِمَاما
لستُمْ بها غُرَباءَ, أَنْتُمْ أَهْلُها
أَنّى حَللَتُم تَنّزِلُون كِراما
الشّرْقُ مَهْدٌ للنبوغِ ومَوْلدٌ
للمجْدِ فيه رَبَا وشَبّ غُلاما
زَكَت النبوّة في حِمَاهُ ورعْرعتْ
وتألّقت كالفرقديّنِ نِظَاما
مُوسى الذي شَقّ العُبابَ وفجّر
الصخّر العنيدَ سواكباً تترامى
عيسى الذي فدّى الوجودَ وعلم
الغفّران والإحسانَ والإكراما
ومحمّدٌ يَكْفيكَ أنّ محمّداَ
بيّن البريّةِ أَوْجَدَ الإسلاما
هذا هو الشّرْقُ العظيم لم يزل
نوراً لمن رَام الهدى وإماما
.
أخرج من وظيفته عام 1952، ولم يكن يدخر شيئا فعاش في ضنك وتنكر له أقرب الناس إليه، بمن فيهم زوجته، لذا تغيرت حاله وأخذ ينغمس في السهر، وفي هذه المرحلة تعرف إلى ممثلة اسمها ( زازا ) وأحبها ، ونظم فيها قصيدة مطولة باسمها مصوراً إياها بالربيع الذي حل على خريف حياته و في قصيدته (أنوار المدينة) يقول:
ضحكت لعيني المصابيح التي
تعلو رؤوس النيل كالتيجان
ورأيت أنوار المدينة بعدما
طال المسير وكلت القدمان
وحسبت أن طاب القرار لمتعب
في ظل تحنان وركن آمان
فإذا المدينة كالضباب تبخرت
وتكشفت لي عن كذوب اماني
قدر جرى لم يجر في الحسبان
لا أنت ظالمة ولا انا جاني
.
اهمل ابراهيم ناجي صحته في اواخرايامه وكان مصابا بداء السكري ، ولا يأخذ العلاج، فاشتد عليه المرض داء السكري،
.
توفي في 25 مارس ( ايار ) 1953 عن عمر ناهز الخامسة والخمسين، ودفن إلى جوار جده لأمه الشيخ عبد الله الشرقاوي، في مسجده بجوار مقام سيدنا الحسين رضي الله عنه.
.
صدرت عن الشاعر إبراهيم ناجي بعد رحيله عدة دراسات مهمة، منها:
إبراهيم ناجي للشاعر صالح جودت
ابراهيم ناجي للدكتورة نعمات أحمد فؤاد
كما كتبت عنه العديد من الرسائل العلمية بالجامعات المصرية
.
ابراهيم ناجي مر بظروف عصيبة في حياته وتخلى عنه الأقارب والأحباب في أحيان كثيرة لذا جاء شعره معبرا عن نزوع فردي رومانسي حزين، فشعره ذاتي، يكاد يكون خالصاً للحب والوجدان، للقهر والحرمان، فهو يعبر عن قلب محروم، ويصدر عن رؤية متشائمة، ونظرة حزينة، وروح مكتئبة. فانت تشعر وانت تقرا شعره بنوع من العذاب اوالفرقة عن الحبيب كتب يقول :
سألتك يا صخرة الملتقى متى
يجمع الدهر ما فرقا
إذا نشر الغرب أثوابه
وأطلق في النفس ما أطلقا
أريك مشيب الفؤاد الشهيد
والشيب ما كلل المفرقا
.
الشاعر رومانسي يجد ضالته و سعادته في ظلال الحب الخالدة باعتباره يحمل عاطفة قد تضم الكون بأسره فهو دائما وأبدا حزين يبحث عن عوالم المثل الانسانية التي ينشدها ليغرق فيها يقول:
إني امرؤ عشت زما ني حائرا معذبا
أمشي بمصباحي وحيداً في الرياح متعبا
أمشي به وزيته كاد به ان ينضبا
عشت زماني لا أرى لخافقي متقلبا
.
الا ان شعره لا يخلو من الأبيات المتفائلة بالطبيعة مثل قصيدته (الربيع) والتي يخاطبه فيها بقوله:
مرحى ومرحى يا ربيع العام
أشرق فدتك مشارق الأيام
بعد الشتاء وبعد طول عبوسه
أرنا بشاشة ثغرك البسام
وابعث لنا أرج النسيم معطراً
متخطراً كخواطر الأحلام
و قصيدة كتبها مخاطبا إبنيه عماد وأميرة:
يا ابنتي إني لأشعر أني
ملأت مهجتي شموس منيرة
أشرقت فرحتان عندي
فهذي لعماد وهذه لأميرة
أنتما فرقدان ، وهو جديد
بالذي ناله وأنت جديرة
اغنما كل ما يطيب وفوزا
بالمسرات والأماني الوفيرة
وافرحا بالذي يطيب ويرجى
عيشة نضرة وعين قريرة
ومن قصيدة بعنوان ( مصر) يفتتحها بقوله:
أجل إن ذا يوم لمن يفتدي مصرا
فمصر هي المحراب والجنة الكبرى
أجل عن ماء النيل قد مر طعمه
تناوشه الفتاك لم يدعو شبرا
فهلا وقفتم دونها تمنحوها
أكفاً كماء المزن تمطر خيرا
سلاما شباب النيل في كل موقف
على الدهر يجني المجد أو يجلب الفخرا
تعالوا فقد حانت أمور عظيمة
فلا كان منا غافل يصم العصرا
شباب نزلنا حومة المجد كلنا
ومن يغتدي للنصر ينتزع النصرا
.
واختم مقالتي عن الشاعر ابراهيم ناجي بمقاطع من قصيدته المشهورة
قصيدة (الاطلال) التي لاتزال نرددها على شفاهنا بلحنها الجميل وصوت ام كلثوم الشجي وسيرددها الاجيال بعدنا وتعد من روائع الشعرالعربي :
يا فؤادي، رحم الله الهوى
كان صرحا من خيال فهوى
اسقني واشرب على أطلاله
وارو عني، طالما الدمع روى
كيف ذاك الحب أمسى خبرا
وحديثاً من أحاديث الجوى
وبساطاً من ندامى حلم
هم تواروا أبداً، وهو انطوى
*****************
يا رياحاً، ليس يهدا عصفها
نضب الزيت ومصباحي انطفا
وأنا أقتات من وهم عفا
وأفي العمر لناس ما وفى
كم تقلبت على خنجره لا
الهوى مال، ولا الجفن غفا
وإذا القلب - على غفرانه –
كلما غار به النصل عفا
***************
يا غراماً كان مني في دمي
قدراً كالموت، أو في طعمه
ما قضينا ساعة في عرسه
وقضينا العمر في مأتمه
ما انتزاعي دمعة من عينه
واغتصابي بسمه من فمه
ليت شعري أين منه مهربي
أين يمضي هارب من دمه ؟
***************
لست أنساك وقد ناديتني
بفم عذب المناداة رقيق
ويد تمتد نحوي، كيد
من خلال الموج مدت لغريق
آه يا قبلة أقدامي، إذا
شكت الأقدام أشواك الطريق
وبريقاً يظمأ الساري له
أين في عينينك ذياك البريق ؟
******************
لست أنساك، وقد أغريتني
بالذرى الشم،فأدمنت الطموح
أنت روح في سمائي، وأنا
لك أعلو، فكأني محض روح
يا لها من قمم كنا بها
نتلاقى، وبسرينا نبوح
نستشف الغيب من أبراجها
ونرى الناس ظلال في السفوح
امير البيـــــــــــــان العربي
د فالح نصيف الحجية الكيلاني
العراق- يالى - بلـــــــــــد روز
****************
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق