فئة القصة القصيرة
"خَلْفَ ظِلَالِ اُلشَّظَايَا"
رِيفُ حِمْصَ، رَمَضَانُ، عام 2014 م.
لَيْلَةٌ هَادِئَةٌ عَلَى غَيْرِ اُلْعَادَةِ، يَنْسَاب ضَوْءُ اُلْقَمَرِ مَنْ خِلَالِ أَغْصَانِ زَيْتُونَةٍ مُعَمِّرَةٍ فِي حَدِيقَةِ اُلدَّارِ. فَيَرْسُمُ أَطْيَافًا تَتَرَاقَصُ بِحَرَكَاتٍ عَشْوَائِيَّةٍ مَعَ كُلِّ نِسْمَةِ هَوَاءٍ، ثُمَّ تَرْكُنُ لِلْهُدُوءِ وَ كَأَنَّ اُلسُّكُونَ يَزْجُرُهَا.
رِيفُ حِمْصَ، رَمَضَانُ، عام 2014 م.
لَيْلَةٌ هَادِئَةٌ عَلَى غَيْرِ اُلْعَادَةِ، يَنْسَاب ضَوْءُ اُلْقَمَرِ مَنْ خِلَالِ أَغْصَانِ زَيْتُونَةٍ مُعَمِّرَةٍ فِي حَدِيقَةِ اُلدَّارِ. فَيَرْسُمُ أَطْيَافًا تَتَرَاقَصُ بِحَرَكَاتٍ عَشْوَائِيَّةٍ مَعَ كُلِّ نِسْمَةِ هَوَاءٍ، ثُمَّ تَرْكُنُ لِلْهُدُوءِ وَ كَأَنَّ اُلسُّكُونَ يَزْجُرُهَا.
مُسْتَلْقِيًا عَلَى حَصِيرَةٍ عَتِيقَةٍ وَتُحِيطُ بِي اُلْوِسَادَاتُ بِأَحْجَامٍ مُخْتَلِفَةٍ، وَ بِرِفْقَتِي إِبْرِيقُ اُلشَّايِ أُغَازِلُ لُفَافَاتَ اُلتَّبْغِ اُلّتِي تَنْتَشِرُ جُثَثُهَا حَوْلِي، مُنْتَظِرًا نِهَايَةَ اُلْمَشْهَدِ اُلْجَمِيلِ بِآذَانِ اُلْإِمْسَاكِ.
شَقَّ اُلصَّمْتَ دَوِيُّ قَذِيفَةٍ عَلَى جَبْهَةِ اُلْقِتَالِ اُلْقَرِيبَةِ، لِلْوَهْلَةِ اُلأُولَى جَاءَنِي اُلصَّوْتُ ضَعِيفًا وَ بَعِيدًا وَ هُوَ لَا يُنْذِرُ بِخَطَرٍ، وَ لَكِنْ.. وَمِيضَ خَاطِرٍ غَافَلَ طُمَأنِينَتِي اُلْعَابِرَةِ، نَعَمْ، يَا رَبِّي لُطْفَكَ..
اِبْنِي وَ رِفَاقُهُ هُنَاكَ عَلَى اُلْخُطُوطِ اُلأُولَى.
اِبْنِي وَ رِفَاقُهُ هُنَاكَ عَلَى اُلْخُطُوطِ اُلأُولَى.
اِقْتَحَمَنِي هَاجِسٌ غَرِيبٌ، أَقَضّ مَضْجَعِي فَوَقَفْتُ ثُمَّ جَلَسْتُ ثُمَّ وَقَفْتُ وَ اِتَّجَهْتُ صَوْبَ غُرْفَتِي، وَ كَأَنِّي أَبْحَثُ عَنْ شَيْءٍ مَفْقُودٍ وَ لَا أَجِدُهُ، اِسْتَيْقَظَتْ زَوْجَتِي لِتَسْأَلَنِي إِنْ كُنْتُ أَبْحَثُ عَنْ شَيْءٍ؟..
فَقُلْتُ:" لَاشَيْءَ.. لَاشَيْءَ!"
وَ غَادَرْتُ اُلْمَنْزِلَ إِلَى اُلشَّارِعِ وَ كَأَنِّي أَنْتَظِرُ أَحَدُهُمْ لِيُخْبِرَنِي بِأمْرٍ جَلَلٍ، وَ اِنْتَصَبَتْ كُلّ اُلْإِحْتِمَالَاتِ أَمَامِي يَتَقَدَّمَهُمْ اُلْأَسْوَأُ.
فَقُلْتُ:" لَاشَيْءَ.. لَاشَيْءَ!"
وَ غَادَرْتُ اُلْمَنْزِلَ إِلَى اُلشَّارِعِ وَ كَأَنِّي أَنْتَظِرُ أَحَدُهُمْ لِيُخْبِرَنِي بِأمْرٍ جَلَلٍ، وَ اِنْتَصَبَتْ كُلّ اُلْإِحْتِمَالَاتِ أَمَامِي يَتَقَدَّمَهُمْ اُلْأَسْوَأُ.
مِنْ بَعِيدٍ أَرَى شَبَحًا يَتَقَدَّمُ بِاتِّجَاهِي، وَ ضَوْءُ اُلْهَاتِفِ اُلّذِي يَحْمِلُهُ بِيَدِهِ، يُنْذِرُنِي بِمَا أَخْشَاهُ، وَ مَعَ كُلِّ خُطْوَةٍ يَقْتَرِبُ بِهَا مِنِّي يَزِيدُ مِنْ اِسْتِسْلَامِي لِلْخَبَرِ اُلْمُفْزِعِ اُلْمُتَوَقَّعِ.
"اُلسَّلَامُ عَلَيْكُمْ". قَالَهَا بِهُدُوءٍ وَ لَا أَتَذَكَّرُ أَنِّي رَدَدْتُ اُلسَّلَامَ.
وَ عَاجَلْتُهُ بِالسُّؤَالِ:" مَاذَا تَحْمِلُ فِي جُعْبَتِكِ؟ لَا تَخْفِي شَيْئًا، َأعْطِنِي كُلَّ مَا عِنْدَكَ."
وَبَدَأَ حَدِيثَهُ قَائِلًا:
"مَجْدُ اِسْتُشْهِدَ تَقَبَّلَهُ اُللهُ وَ أُسَامَةُ إِصَابَتُهُ خَفِيفَةٌ وَ أَبُو أَمِيرَ إِصَابَتُهُ خَطِيرَةٌ."
وَ لَاذَ بِاُلصَّمْتِ.
"اُلسَّلَامُ عَلَيْكُمْ". قَالَهَا بِهُدُوءٍ وَ لَا أَتَذَكَّرُ أَنِّي رَدَدْتُ اُلسَّلَامَ.
وَ عَاجَلْتُهُ بِالسُّؤَالِ:" مَاذَا تَحْمِلُ فِي جُعْبَتِكِ؟ لَا تَخْفِي شَيْئًا، َأعْطِنِي كُلَّ مَا عِنْدَكَ."
وَبَدَأَ حَدِيثَهُ قَائِلًا:
"مَجْدُ اِسْتُشْهِدَ تَقَبَّلَهُ اُللهُ وَ أُسَامَةُ إِصَابَتُهُ خَفِيفَةٌ وَ أَبُو أَمِيرَ إِصَابَتُهُ خَطِيرَةٌ."
وَ لَاذَ بِاُلصَّمْتِ.
أَرْعَبَنِي هَذَا اُلسُّكُونُ، كُلُّ هَؤُلَاءِ رِفَاقُ اِبْنِي عَبْدَاُللهِ وَ يَحْرُسُونَ فِي ذَاتِ اُلنُّقْطَةِ. لَمْ أَسْأَلْهُ أَكْثَرَ، وَ اِتَّجَهْتُ إِلَى سَيَّارَتِي لِأَذْهَبَ لِلْمَشْفَى اُلْمَيْدَانِيِّ فَأسْرَعَ بِاُلصُّعُودِ إِلَى جَانِبِي وَ لَمْ يَنْطِقْ.
اُلطَّرِيقُ إِلَى اُلْمَشْفَى بَدَا لِي وَ كَأَنَّهُ لَنْ يَنْتَهِ. وَ سَيَّارَتِي اُلّتِي تَقْفِزُ فَوْقَ اُلْمَطَبَّاتِ وَ اُلْحُفَرِ مِنْ فَرْطِ اُلسُّرْعَةِ اُلْجُنُونِيَّةِ، أُحِسُّهَا كَحِمَارٍ بَلِيدٍ يَأْبَى اُلْمَسِيرَ.
وَصَلْنَا اُلْمَشْفَى وَ غَادَرْتُ اُلسَّيَّارَةَ قَبْلَ أَنْ تَتَوَقَّفَ بِاُلْكَامِلِ. أُسَابِقُ اُلْخُطَى لِأَقْتَحِمَ اُلْجُمُوعَ وَ أَدْخُلَ اُلْمَشْفَى اُلْمُزْدَحِمَ بِاُلْمُصَابِينَ وَ اُلْقَتْلَى وَ ذَوِيهِمْ.
وَجَدْتُ مَجْدَ مُسَجَّى بِدِمَائِهِ عَلَى اُلنَّقَّالَةِ يُحِيطُ بِهِ اُلْمُمَرِّضُونَ لِيُسَلِّمُوهُ لِأَهْلِهِ جَاهِزًا لِلدَّفْنِ.. قَبَّلْتُهُ عَلَى جَبْهَتِهِ وَ اِتَّجَهْتُ لِلْمُصَابِينَ لِأَتَفَقَّدَهُمْ وَ أَبْحَثَ عَنْ فِلْذَةِ كَبِدِي بَيْنَهُمْ وَ لَكِنْ دُونَ أَنْ أُصَرِّحَ بِاُلسُّؤَالِ عَنْهُ.
اُلطَّرِيقُ إِلَى اُلْمَشْفَى بَدَا لِي وَ كَأَنَّهُ لَنْ يَنْتَهِ. وَ سَيَّارَتِي اُلّتِي تَقْفِزُ فَوْقَ اُلْمَطَبَّاتِ وَ اُلْحُفَرِ مِنْ فَرْطِ اُلسُّرْعَةِ اُلْجُنُونِيَّةِ، أُحِسُّهَا كَحِمَارٍ بَلِيدٍ يَأْبَى اُلْمَسِيرَ.
وَصَلْنَا اُلْمَشْفَى وَ غَادَرْتُ اُلسَّيَّارَةَ قَبْلَ أَنْ تَتَوَقَّفَ بِاُلْكَامِلِ. أُسَابِقُ اُلْخُطَى لِأَقْتَحِمَ اُلْجُمُوعَ وَ أَدْخُلَ اُلْمَشْفَى اُلْمُزْدَحِمَ بِاُلْمُصَابِينَ وَ اُلْقَتْلَى وَ ذَوِيهِمْ.
وَجَدْتُ مَجْدَ مُسَجَّى بِدِمَائِهِ عَلَى اُلنَّقَّالَةِ يُحِيطُ بِهِ اُلْمُمَرِّضُونَ لِيُسَلِّمُوهُ لِأَهْلِهِ جَاهِزًا لِلدَّفْنِ.. قَبَّلْتُهُ عَلَى جَبْهَتِهِ وَ اِتَّجَهْتُ لِلْمُصَابِينَ لِأَتَفَقَّدَهُمْ وَ أَبْحَثَ عَنْ فِلْذَةِ كَبِدِي بَيْنَهُمْ وَ لَكِنْ دُونَ أَنْ أُصَرِّحَ بِاُلسُّؤَالِ عَنْهُ.
أُسَامَةُ إِصَابَتُهُ خَفِيفَةٌ وَ لَكِنْ أَبَا أَمِيرَ أَمْعَاؤُهُ كَانَتْ بِجَانِبِهِ عَلَى اُلنَّقَّالَةِ وَ مَازَالَ صَاحِيًا يَتَكَلَّمُ، وَقَفْتُ فَوْقَ رَأسِهِ لِأُخَفِّفَ عَنْهُ:
" لَا تَخَفْ، أمُورُكَ بِخَيْرٍ. سَيُدْخِلُونَكَ اُلآنَ لِغُرْفَةِ اُلْعَمَلِيَّاتِ وَ سَتَتَعَافَى بِسُرْعَةٍ، أَخْبَرُكَ شُجَاعًا."
" لَا تَخَفْ، أمُورُكَ بِخَيْرٍ. سَيُدْخِلُونَكَ اُلآنَ لِغُرْفَةِ اُلْعَمَلِيَّاتِ وَ سَتَتَعَافَى بِسُرْعَةٍ، أَخْبَرُكَ شُجَاعًا."
اِبْتَسَمَ بِأَلَمٍ وَ قَالَ لِي بِحَشْرَجَةٍ:" عَبْدُاللهِ بَقِيَ هُنَاكَ وَ مَعَهُ فَقَطْ عُمَرُ، خُذْ مَجْمُوعَةً مِنَ اُلشَّبَابِ إِلَى اُلنُّقْطَةِ، فَمُعْظَمُهُمْ أَتَوْا بِرِفْقَتِنَا لِلْمَشْفَى، بَقَاؤُكُمْ مَعَنَا لَنْ يُغَيِّرَ مِنَ اُلْأَمْرِ شَيْئًا."
كلِمَاتُهُ كَانَتْ أَشْبَهَ بِجُرْعَةِ مُنَشِّطٍ، أَعَادَتْ لِي ثِقََتِي وَ أَزَالَتْ عَنِّي اُلْهَوَاجِسَ وَ اُلْإِرْتِبَاكَ.
كلِمَاتُهُ كَانَتْ أَشْبَهَ بِجُرْعَةِ مُنَشِّطٍ، أَعَادَتْ لِي ثِقََتِي وَ أَزَالَتْ عَنِّي اُلْهَوَاجِسَ وَ اُلْإِرْتِبَاكَ.
حَمَلْنَا اُلشَّهِيدَ لِأَهْلِهِ اُلَّذِينَ فَاجَأَهُمْ اُلْخَبَرُ قَبْلَ وُصُولِنَا إِلَيْهِمْ بِدَقَائِقَ فَقَطْ.. صَدْمَتُهُمْ كَانَتْ أَكْبَرَ مِنَ اُلتَّعْبِيرِ بِاُلْكَلِمَاتِ أَوْ اُلْبُكَاءِ، وَدَّعُوهُ بِصَمْتٍ مُؤْلِمٍ صَارِخٍ.
فَفَقِيدُهُمْ اِبْنُ اُلْأَعْوَامِ اُلسِّتَّةَ عَشَرَ؛ لَمْ يَسْتَطِعْ أَحَدٌ أَنْ يُثْنِيهِ عَنِ اِسْتِبْدَالِ اُلْحَقِيبَةَ اُلْمَدْرَسِيَّةَ بِاُلْجُعْبَةِ، وَ اُلْقَلَمِ بِاُلْبُنْدِقِيَّةِ؛ وَ لِيَنَالَ اُلشَّهَادَةَ مَمْهُورَةً بِدِمَائِهِ بَدَلًا مِنْ شَهَادَةِ اُلثَّانَوِيَّةِ.
فَفَقِيدُهُمْ اِبْنُ اُلْأَعْوَامِ اُلسِّتَّةَ عَشَرَ؛ لَمْ يَسْتَطِعْ أَحَدٌ أَنْ يُثْنِيهِ عَنِ اِسْتِبْدَالِ اُلْحَقِيبَةَ اُلْمَدْرَسِيَّةَ بِاُلْجُعْبَةِ، وَ اُلْقَلَمِ بِاُلْبُنْدِقِيَّةِ؛ وَ لِيَنَالَ اُلشَّهَادَةَ مَمْهُورَةً بِدِمَائِهِ بَدَلًا مِنْ شَهَادَةِ اُلثَّانَوِيَّةِ.
بَعْدَ دَفْنِ اُلشَّهِيدِ اِنْطَلَقْتُ بِرِفْقَةِ مَجْمُوعَةٍ مِنَ اُلشُّبَّانِ وَ مَعَنَا طَعَامَ اُلسَّحُورِ، فِي هَذَا اُلْوَقْتِ كَانَ اُلْقَمَرُ قَدْ غَابَ وَ بَدَأَ اُلظَّلَامُ يَكْشِفُ عَنْ وَجْهِهِ اُلمُفْزِعِ. تَنَقَّلْنَا بَيْنَ اُلْخَنَادِقِ مُحْتَمِينَ بِاُلسَّاتِرِ اُلتُّرَابِيِّ خِشْيَةَ أَنْ يَرْصُدَنَا اُلْقَنَّاصَةُ اُلْمُتَأَهِّبِينَ لِأَيِّ هَدَفٍ يَلُوحُ لَهُمْ عَلَى عَدَسَةِ اُلْمِنْظَارِ.
كَانَ اُلسُّكُونُ يُخَيِّمُ عَلَى نُقْطَةِ اُلْحِرَاسَةِ عِنْدَمَا وَصَلْنَا إِلَيْهِمْ.
بَدَا عَبْدُاللهِ وَ عُمَرُ مُعَفَّرَيْنِ بِاُلْغُبَارِ وَ مَازَالَ أَثَرُ اُلدُّمُوعِ بَادِيًا كَسَاقِيَةٍ اِنْتَهَتْ لِلتَّوِّ مِنْ رَيِّ اُلْحُقُولِ. تَبَادَلْنَا اُلسَّلَامَ وَ اُلْغُصَّةَ تُقَنِّعُ اُلْكَلِمَاتَ وَ كَأَنَّهَا تَحْمِيهَا مِنَ اُلْفَهْمِ اُلْخَاطِئِ أَوْ كَشْفِ مَا خَفِي مِنَ اُلْحُزْنِ وَ اُلْغَضَبِ.
هَمَسَ عَبْدُاللهِ فِي أُذُنِي:" لِمَاذَا أَتَيْتَ يَا أَبِي..؟؟!!، هَلْ أنْتَ خَائِفٌ عَلَيَّ؟! هَذِهِ لَيْسَتْ أَوَّلَ مَرَّةٍ نَتَعَرَّضُ بِهَا لِلْقَصْفِ اُلْمُبَاشِرِ وَ لَنْ تَكُونَ اُلْأَخِيرَةَ"
أَجْبْتُهُ بِهُدُوءٍ: "لَا، لَمْ آتِ لِأَجْلِ ذَلِكَ."
وَ اِلْتَفَتُّ لِلشَّبَابِ: "اِغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ مِنَ اُلْغُبَارِ وَ لِنَتَوَضَّأَ
وَ نَتَنَاوَلَ طَعَامَ اُلسَّحُورِ فَلَمْ يَعُدْ هُنَاكَ وَقْتٌ، وَ بَعْدَهَا لَعَلَّ اللهَ يُوَفِّقُنَا لِمَا أَتَيْنَا لِأَجْلِهِ."
كَانَ اُلسُّكُونُ يُخَيِّمُ عَلَى نُقْطَةِ اُلْحِرَاسَةِ عِنْدَمَا وَصَلْنَا إِلَيْهِمْ.
بَدَا عَبْدُاللهِ وَ عُمَرُ مُعَفَّرَيْنِ بِاُلْغُبَارِ وَ مَازَالَ أَثَرُ اُلدُّمُوعِ بَادِيًا كَسَاقِيَةٍ اِنْتَهَتْ لِلتَّوِّ مِنْ رَيِّ اُلْحُقُولِ. تَبَادَلْنَا اُلسَّلَامَ وَ اُلْغُصَّةَ تُقَنِّعُ اُلْكَلِمَاتَ وَ كَأَنَّهَا تَحْمِيهَا مِنَ اُلْفَهْمِ اُلْخَاطِئِ أَوْ كَشْفِ مَا خَفِي مِنَ اُلْحُزْنِ وَ اُلْغَضَبِ.
هَمَسَ عَبْدُاللهِ فِي أُذُنِي:" لِمَاذَا أَتَيْتَ يَا أَبِي..؟؟!!، هَلْ أنْتَ خَائِفٌ عَلَيَّ؟! هَذِهِ لَيْسَتْ أَوَّلَ مَرَّةٍ نَتَعَرَّضُ بِهَا لِلْقَصْفِ اُلْمُبَاشِرِ وَ لَنْ تَكُونَ اُلْأَخِيرَةَ"
أَجْبْتُهُ بِهُدُوءٍ: "لَا، لَمْ آتِ لِأَجْلِ ذَلِكَ."
وَ اِلْتَفَتُّ لِلشَّبَابِ: "اِغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ مِنَ اُلْغُبَارِ وَ لِنَتَوَضَّأَ
وَ نَتَنَاوَلَ طَعَامَ اُلسَّحُورِ فَلَمْ يَعُدْ هُنَاكَ وَقْتٌ، وَ بَعْدَهَا لَعَلَّ اللهَ يُوَفِّقُنَا لِمَا أَتَيْنَا لِأَجْلِهِ."
بَعْدَ صَلَاةِ اُلْفَجْرِ، أَخْرَجَ اُلْحَاجُّ سُلَيْمَانُ مُضَادَّ اُلدِّرْعَ مَنْ صُنْدُوقِ اُلسَّيَّارَةِ وَ نَصَبَهُ عَلَى مُرْتَفَعٍ يَطُلُّ عَلَى اُلْعَدُوِّ. اُلْجَمِيعُ يَعْرِفُ دَوْرَهُ وَ مَاذَا سَيَفْعَلُ، اِنْطَلَق عَبْدُاللهِ وَ بَعْضُ رِفَاقهِ إِلَى اُلْخَنْدَقِ اُلْمُتَقَدِّمِ وَ بَدَؤُوا بِإطْلَاقِ اُلنَّارِ مِنْ أَمَاكِنَ مُتَفَرِّقَةٍ بِاِتِّجَاهِ تَمَرْكُزِ اُلدَّبَّابَةِ، حَدَثَ مَا نَأْمَلُهُ وَ سَمِعْنَا صَوْتَ هَدِيرَ اُلدَّبَّابَةِ، وَ بَعْدَ لَحْظَاتٍ غَادَرت حِصْنَهَا لِتَسْتَطِيعَ أَنْ تَقْصِفَ بِاِتِّجَاهِ مَصْدَرِ اُلنِّيرَانِ، اُلشَّمْسُ أَيْضًا اِسْتَيْقَظَتْ وَ بَدَأَتْ تَرْتَفِعُ بِهُدُوءٍ، أَطْلَقَ اُلْحَاجُّ سُلَيْمَانُ صَارُوخًا بِاِتِّجَاهِ اُلْهَدَفِ وَ بَقِيَ مُسَدِّدًا عَلَى اُلْمِنْظَارِ لِيَتَحَكَّمَ بِمَسَارِهِ، أَخَذَ اُلصَّارُوخُ يَسْبَحُ بِاُلْفَضَاءِ عَاكِسًا شُعَاعَ اُلشَّمْسِ كَنَجْمَةِ اُلصَّبَاحِ. اِصْطَدَمَ بِاُلْعِمْلَاقِ اُلْمَعْدِنِيِّ مُحِيلَهُ إِلَى كُتْلَةٍ مِنْ لَهَبٍ مُمَزَّقٍ، تَعَالَتْ أَصْوَاتُ اُلتَّكْبِيرِ وَ اُلْحَمْدَلَةِ، وَ تَنَفَّسَ اُلْجَمِيعُ اُلصُّعَدَاءَ.
اِلْتَفَتُّ إِلَيْهِمْ:
" لِنَذْهَبْ يَا أَوْلَادِي. اُلْآنَ فَقَطْ يَحُقُّ لَنَا أَنْ نُعَزِّيَ أَهْلَ اُلشَّهِيدِ."
فضل الأشقر/ سورية.
اِلْتَفَتُّ إِلَيْهِمْ:
" لِنَذْهَبْ يَا أَوْلَادِي. اُلْآنَ فَقَطْ يَحُقُّ لَنَا أَنْ نُعَزِّيَ أَهْلَ اُلشَّهِيدِ."
فضل الأشقر/ سورية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق