(الكونتيسَّة) أمّ علي :
كنتُ أكرهُ السَّاعة الأولى من الدّوام الوظيفيّ لما فيها من ثرثرة الموظّفات اللاتي تجمعني بهنَّ غرفة واحدة، فأكمنُ وراء الطّاولة كديكٍ مؤدَّبٍ بين سبع دجاجات، أفتحُ أذنيَّ كصحنٍ فضائيٍّ لاقطٍ عندما يصبح حديثهنَّ همساً... أعرف حينها أنَّ الحديث صار خاصّاً جِدّاً، يدور حول أحداثِ اللّيلة الماضية عند أحداهنَّ كم كانت سعيدةً ..
تنظرُ إليَّ رئيسةَ القسم التي على أبوابِ التّقاعد وأنا أتظاهرُ بلصقِ الطّوابع وتدقيق الأوراق، تبتسم وتقولُ لي بصوتٍ منخفضٍ:
يا لكَ من هِرٍّ مسكين... .!!
أكثرهن ثرثرةً كانت موظّفةُ الأرشفة أم علي، وهي امرأةٌ في الثّانية والثّلاثين، طويلةٌ وقويّةٌ كحافلة النّقل الدّاخلي، شعرها قصيرٌ وجافٌّ وخشنٌ كأنه شعر معزةٍ هرمةٍ، تحمل شهادة الإعدادية، راضيةٌ بتحصيلها العلمي كما تقول، ولأنّ أباها ضابطٌ توظّفت، ولأنّها توظّفت تزوّجت بسرعةٍ!
لا نعرف ماذا يعمل زوجها، فهي تلفُّ وتدورُ حينما تسألها إحداهنَّ عن عمله، حتى ظننتُ أنّه يعملُ تحرِّياً في شرطة (اسكوتلنديارد)
ولكنّها تتحدّث عن زوجها كما تتحدّث بثينةُ عن جميل!
كانت النِّسوة يغبطْنَهَا لسعادتها الزّوجيّة العارمة!
وللقهوة الصّباحيّة عندها طقوسٌ مُبالغٌ فيها أقربُ إلى التّمثيل منها إلى الحقيقة، فهي تشربُ القهوة السّادة كالأدباء والشّعراء، فيظنُّ من يراها ترشف القهوة أنّها ستكتبُ بعد قليلٍ قصّةً بوزنِ (رسالةِ الغفران) لأبي العلاء المعرِّي .
تمسكُ الفنجان من أذنه بأرستقراطيّةٍ كاذبةٍ كما يمسك رسامٌ محترفٌ بفرشاته وهي تتحدّث عن حُبِّ زوجها لها، وعن ابنتها المهندسة التي ماتزال في الصّف الخامس الابتدائيّ، وعن ابنها طبيب العصبيّة المشهور الذي مايزال في الصّف الثّالث الابتدائي!
وأنا مضطرٌ لسماع حديثها عن جوّالها باهظ الثّمن، وعن أصدقائها في الفيس بوك، وعن طبختها الفاخرة المكلّلة بالصّنوبر والكاجو.
تحشرُ في حديثها بعض الكلمات الأنكليزيّة والفرنسيّة التي لا أعرف معناها ...
باقي الموظّفات لسْنَ أقلَّ منها ثرثرةً ولكنَّهنَّ متواضعاتٍ أكثر بكثير، ولا يبالغنَ في حبِّ أزواجهنَّ لهنَّ ...
غابتْ أم علي لثلاثةِ أيّامٍ متتاليةٍ، ثمّ جاءتْ ووجهها مصبّغٌ بالكدمات، كالكرامة العربيّة المهدورة على الدوام!
حاولَتْ جاهدةً أن تخفيها ب(المكياج) ولكنّها لم تُفلح.
قالت أنّها تعرّضت لحادث، ولكنّ تحرّيات النِّسوة خرجتْ بنتيجةٍ :
أنَّ زوجها السِّكّير العاطل عن العمل قد ضربها ضرباً مبرّحاً كعادته، وأنّها تنام في بيت أهلها لأنها (زعلانة)....
اليوم أيضاً أمسَكَتْ فنجان القهوة كَ (دوقة برمنغهام) وبدأت تحكي عن حُبِّ زوجها لها والهديّة الذهبيّة التي حصلت عليها البارحة بمناسبة عيد زواجها العاشر، ثم تتحدّث همساً عن أحداث ليلتها الماضية السّعيدة ...
كنتُ أكرهُ السَّاعة الأولى من الدّوام الوظيفيّ لما فيها من ثرثرة الموظّفات اللاتي تجمعني بهنَّ غرفة واحدة، فأكمنُ وراء الطّاولة كديكٍ مؤدَّبٍ بين سبع دجاجات، أفتحُ أذنيَّ كصحنٍ فضائيٍّ لاقطٍ عندما يصبح حديثهنَّ همساً... أعرف حينها أنَّ الحديث صار خاصّاً جِدّاً، يدور حول أحداثِ اللّيلة الماضية عند أحداهنَّ كم كانت سعيدةً ..
تنظرُ إليَّ رئيسةَ القسم التي على أبوابِ التّقاعد وأنا أتظاهرُ بلصقِ الطّوابع وتدقيق الأوراق، تبتسم وتقولُ لي بصوتٍ منخفضٍ:
يا لكَ من هِرٍّ مسكين... .!!
أكثرهن ثرثرةً كانت موظّفةُ الأرشفة أم علي، وهي امرأةٌ في الثّانية والثّلاثين، طويلةٌ وقويّةٌ كحافلة النّقل الدّاخلي، شعرها قصيرٌ وجافٌّ وخشنٌ كأنه شعر معزةٍ هرمةٍ، تحمل شهادة الإعدادية، راضيةٌ بتحصيلها العلمي كما تقول، ولأنّ أباها ضابطٌ توظّفت، ولأنّها توظّفت تزوّجت بسرعةٍ!
لا نعرف ماذا يعمل زوجها، فهي تلفُّ وتدورُ حينما تسألها إحداهنَّ عن عمله، حتى ظننتُ أنّه يعملُ تحرِّياً في شرطة (اسكوتلنديارد)
ولكنّها تتحدّث عن زوجها كما تتحدّث بثينةُ عن جميل!
كانت النِّسوة يغبطْنَهَا لسعادتها الزّوجيّة العارمة!
وللقهوة الصّباحيّة عندها طقوسٌ مُبالغٌ فيها أقربُ إلى التّمثيل منها إلى الحقيقة، فهي تشربُ القهوة السّادة كالأدباء والشّعراء، فيظنُّ من يراها ترشف القهوة أنّها ستكتبُ بعد قليلٍ قصّةً بوزنِ (رسالةِ الغفران) لأبي العلاء المعرِّي .
تمسكُ الفنجان من أذنه بأرستقراطيّةٍ كاذبةٍ كما يمسك رسامٌ محترفٌ بفرشاته وهي تتحدّث عن حُبِّ زوجها لها، وعن ابنتها المهندسة التي ماتزال في الصّف الخامس الابتدائيّ، وعن ابنها طبيب العصبيّة المشهور الذي مايزال في الصّف الثّالث الابتدائي!
وأنا مضطرٌ لسماع حديثها عن جوّالها باهظ الثّمن، وعن أصدقائها في الفيس بوك، وعن طبختها الفاخرة المكلّلة بالصّنوبر والكاجو.
تحشرُ في حديثها بعض الكلمات الأنكليزيّة والفرنسيّة التي لا أعرف معناها ...
باقي الموظّفات لسْنَ أقلَّ منها ثرثرةً ولكنَّهنَّ متواضعاتٍ أكثر بكثير، ولا يبالغنَ في حبِّ أزواجهنَّ لهنَّ ...
غابتْ أم علي لثلاثةِ أيّامٍ متتاليةٍ، ثمّ جاءتْ ووجهها مصبّغٌ بالكدمات، كالكرامة العربيّة المهدورة على الدوام!
حاولَتْ جاهدةً أن تخفيها ب(المكياج) ولكنّها لم تُفلح.
قالت أنّها تعرّضت لحادث، ولكنّ تحرّيات النِّسوة خرجتْ بنتيجةٍ :
أنَّ زوجها السِّكّير العاطل عن العمل قد ضربها ضرباً مبرّحاً كعادته، وأنّها تنام في بيت أهلها لأنها (زعلانة)....
اليوم أيضاً أمسَكَتْ فنجان القهوة كَ (دوقة برمنغهام) وبدأت تحكي عن حُبِّ زوجها لها والهديّة الذهبيّة التي حصلت عليها البارحة بمناسبة عيد زواجها العاشر، ثم تتحدّث همساً عن أحداث ليلتها الماضية السّعيدة ...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق