السبت، 4 فبراير 2017

الإهداء .. للقاص الكبير الاستاذ/ عبدالصبور محمد الحسن

الإهداء: 
 إلى روح معلّمتي في الصّف الثّالث -رحمها الله- التي كانت تقرف من ثيابي المرقّعة، فأجلستني في المقعد الأخير، وما تركتْ مناسبة إلا وسخرت مني ليضحك عليّ باقي الأولاد بينما أغرق في دموعي !
معلمتي: 
 ليتك أمامي الآن، لأقول لك إنّ تلك الثّياب كانت لأخي الذي يكبرني، وقد آلت إلى أخي الذي يصغرني، صحيح أنّها كانت مرقّعة، ولكنّها كانت نظيفة.
معلّمتي: 
 ليتك أمامي الآن، لأقول لك إنّني لم أكن سيّئا، فقد كنت هادئا، وكان خطّي جميلا، ودفاتري مرتّبة، وإنّني كنت أحفظ دروسي وأكتب واجباتي....
 أنت لا تعلمين ذلك، لأنّك كنتِ تنظرين في دفاتر الجميع إلا دفتري، وتستمعين إلى حفظ الجميع وتهملين الاستماع إليّ، فأجلس كأنّني قطعة أثاث مهملة.
كنتُ أنمو بصمت حتّى لا أزعجك، كعشبة غريبة تنبت على حافّة الرّصيف.
معلمتي:
 تذكرين عيد المعلم؟ يوم جاءك الأولاد بالهدايا الزّاهية، وجئتُ إليك بعشر بيضات بلديّات، يومها، أخذتِ الهدايا من الجميع ولم تأخذي هديّتي، مع أنني أمضيت عشرة أيام في جمعها، كلّ يوم أدخل قنّ الدّجاجات عشر مرات حتّى أجد البيضة!
يومها امتلأت أكمامي بالدّمع.
معلمتي:
 أذكر مرّة أنّني رأيتك في المدينة من بعيد عندما صرتُ في الجامعة، لم أجرؤ يومها على الاقتراب منك والسّلام عليك أو تقبيل يدك كما فعلتُ مع معلمتي في الصّف الثّاني، وقد كانت لديّ رغبة كبيرة في فعل ذلك، لقد خفتُ منك ...
معلّمتي:
ليتك أمامي الآن، لأشكرك على موقفك منّي، فقد كان الدّافع الأكبر لي حتّى أكون إنسانا، لا ظلّ إنسان.
معلّمتي:
 أنا أسامحك، الآن وأمام الله، وأدعو لك دائما بالرّحمة، فلربما ندمتِ على موقفك، أو أنك كنتِ تفعلين ذلك من دون قصد، أو ربّما لم تفعلي ذلك كلّه أصلا، وقد كنتُ واهما في تصوّري.
معلّمتي:
أهديك مجموعتي القصصيّة هذه، ولا أظنّك سترفضين هديّتي في هذه المرّة .


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق