الخميس، 19 يناير 2017

مررت على ديارِ عزيزَ قلبي .. للشاعر الكبير الأستاذ / يوسف عيسى المقدادي

مررت على ديارِ عزيزَ قلبي
 و نارُ الشوقِ تزدادُ التهابا
أمنّي النّفسَ أن أحضى برؤيا
 حبيبٍ طالَ بُعدهُ و الغيابا
وجدتُ الدّارَ ليسَ بها حياةٌ
 طرقتُ البابَ لم ألقى جوابا
و لم أسمع سوى أنّاتِ ريحٍ
 تنوحُ بمنزلٍ أضحى خرابا
رأيت حجارةً تبكي و تنعي
 و أطلالاً غدت تشكو المصابا
و أزهاراً ذَوَتْ من فرطِ حزنٍ
 و أشجاراً توشّحَتِ اكتئابا
ديارُ الخيرِ كيفَ غدت ملاذاً
 لطيرِ البومِ يملؤها انتحابا
عناكبُ قد بنت فيها بيوتاً
 و غربانٌ تعيثُ بها نُعابا
رماها الدهرُ و الأيامُ حُبلى
 بأحداثٍ يضيقُ بها الحِسابا
عميقٌ جُرحُها و الرِّزءُ قاسٍ
 و سهمُ الدّهرِ مقتلَ قد أصابا
على عتباتها كم قد قضينا
 ليالٍ ساهرينَ مع الصِّحابا
نناجيهم وقد دجتِ الليالي
 ببوحٍ لذّ سامرُهُ و طابا
ترفرِفُ في خوافقِنا الأماني
 و ملءُ النّفسِ آمالاً عِذابا
سقاكِ اللهُ يا تلك الليالي
 و أياماً مضت مثل السحابا
قضيناها بِقربِهمُ نعيماً
 سُقِينا الشّهدَ فيها و الرِّضابا
ألا يا دارُ أينَ رفيقَ دربي
 شقيقَ الرّوحِ أينَ غدى و غابا
و أينَ دموعَ مثلَ الغيثِ سالت
 سفحناهاهنا فوقَ التّرابا
و أين الأمنياتِ و كُنَّ كُثراً
فَنِينَ هنا كما يفنى السّرابا
و أينَ عهودَ أقسمنا سوياً
 بأن نوفي و إن طالَ الغيابا
و أينَ خُطىً مشيناها رويداً
 على وقعِ التناجي و العِتابا
و فوق ثراكِ يا دار الغوالي
 خلعنا كُلّ أحلامِ الشبابا
ديارَ الحِبِّ ويْحكِ أخبريني
 هل الأيامُ ترجِعُ و الصِّحابا
أشمّ عبيرهم في كلِّ دربٍ
 و ألمحُ طيفَهم في كُلِّ بابا
أرى الحاظَهم تَرنو إلينا
 بها حزنٌ تطيرُ له اللبابا
و أسمعُ همسَهم في كلِّ ركنٍ
 يناديني فأزدادَ اقترابا
فلا ألقى سوى و هماً بروحي
 يزيدني حسرةً ثُمّ اضطرابا
سقاني الدّهرُ بعدَ فراقِ خِلّي
 كؤوسَ المُرِّ في سُمٍّ مُذابا
فهل من بعدهم سيطيبُ عيشٌ
 و هل سأفيقُ من هولِ المُصابا
همومي جائحاتٌ في ضلوعي
 و أحزاني تنوءُ بها الهضابا
تمرُّ قوافلُ الأيّامِ حولي
 ولا أدري إلى أينَ المآبا
و لا أدري لماذا نحنُ جئنا
 لدنيا أثخنتنا بالعذابا
فلا عادت لنا تأتي بخيرٍ
 ولا عُدنا بها نرجو ثوابا
أزيدُ تعاسةً في كلِّ يومٍ
 و أزدادُ احتراقاً و اكتئابا
سئمتُ العيشَ من كثرِ التجنّي
ألا يا دهرُ يكفيني عَذابا
-----------------
 ** يوسف العيسى **

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق