الأحد، 30 أكتوبر 2016

البائعة المتجوّلة .. بقلم الأستاذ / عبدالصبور محمد الحسن

البائعة المتجوّلة
لا نعرف عنها شيئا سوى أنّها عرفان، تأتينا من المدينة كلّ شهر تقريبا، عجوز قصيرة، وجهها أبيض مدوّر، تلبس ملا ءة سوداء، يقولون أنّها تربّي أطفالها الأيتام، لأنّ زوجها مات في الحرب. 
تعلّق على كتفها كيسا قماشيّا أبيض اللّون، يحتوي أغراضا تخصّ الصّغار والنّساء فقط، لتبيعها في قريتنا الوادعة التي نسيها الزّمن على أطراف الصّحراء فأصابها التّقزّم!
تجلس أمّ عرفان في ظلّ الحائط الطّينيّ، فتتسلّل الشّمس باحثة عنها لتقلّص ظلّ الجدار شيئا فشيئا حتّى تجبرها على تغيير مكانها، لتنهض مسرعة إلى ظلّ شجرة التّين الهرمة أمام بيت الأرملة أمّ إبراهيم ، فيلحق بها كلّ النّساء والأطفال!
تفرش قطعة القماش المرقّعة كخارطة الوطن العربيّ على الأرض، لتعرض عليها بضاعتها:
بودرة أطفال، خشاخيش ملوّنة، أساور مذهّبة، شبّة، كحل، كفوف خزفيّة في وسطها عيون زرقاء، إبر خياطة، أمشاط خشبيّة، ....
الأشياء التي تخصّ النّساء تبقيها في الكيس:
ثياب داخلية، أقلام الحمرة، الكريمات المبيّضة، أكياس السّكّر المطبوخ (العقيدة) التي لا أعرف إلى الآن لماذا تستعمل!؟ وقد كنت أظنّها من أنواع الحلوى!
تناول النّساء أشياءهنّ، وتهمس في آذانهنّ، فتحمرّ وجوههنّ ويضحكن!
بعد فراغها من البيع، تثقّب آذان البنات الرّضيعات بالإبرة والخيط، وتعِد أمّهاتهنّ بأقراط ذهبيّة في الزّيارة القادمة ....
ما يهمّنا نحن الصّغار من أمّ عرفان، قطع السّكّر النّباتيّ التي تملأ بها أكفّنا الصّغيرة، لنخبر نساء القرية أنّ أم عرفان هناك، تحت شجرة التّين، أمام دار الأرملة أمّ إبراهيم، هيّا أسرعن، تريد أن تغادر!



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق