مطرودون من الوطن
وقوف الحافلات التي ستأخذنا إلى المجهول البعيد…
والوقت القصير الذي منحوه لنا…
جعلني أفكّر في كلّ شيء بلحظة واحدة، وفي نفس الوقت لا أفكّر في شيء، فأحسست أنّ دماغي في حالة انعدام للجاذبيّة، يسبح في الفضاء الفارغ كصوفيّ عتيق، عرف أسرار القرب إلى الله فحلّقت روحه في الملكوت، بينما ظلّ جسده على الأرض جثّة هامدة بلا معنى!
والوقت القصير الذي منحوه لنا…
جعلني أفكّر في كلّ شيء بلحظة واحدة، وفي نفس الوقت لا أفكّر في شيء، فأحسست أنّ دماغي في حالة انعدام للجاذبيّة، يسبح في الفضاء الفارغ كصوفيّ عتيق، عرف أسرار القرب إلى الله فحلّقت روحه في الملكوت، بينما ظلّ جسده على الأرض جثّة هامدة بلا معنى!
ماذا سأخرج معي من الحصار؟
رائحة المَطْرَة الأولى؟
الأزقّة التي استهلكت طفولتي؟
خشبة الكهرباء التي كنت أنتظر تحتها حبيبتي وهي عائدة من المدرسة؟
مشاوير الصّيف ما بعد العصر إلى المغرب؟
قبر العارف بالله المجذوب عبدالسّلام وسبيل الماء الذي يجاوره؟
شجيرة الياسمين خلف باب الدّار؟
قبور الشّهداء؟
كيف سأحمل في حقيبة واحدة أربعين عاما تبخّرت من عمري ولم تترك في عيوني سوى حفنة ملح!؟
رائحة المَطْرَة الأولى؟
الأزقّة التي استهلكت طفولتي؟
خشبة الكهرباء التي كنت أنتظر تحتها حبيبتي وهي عائدة من المدرسة؟
مشاوير الصّيف ما بعد العصر إلى المغرب؟
قبر العارف بالله المجذوب عبدالسّلام وسبيل الماء الذي يجاوره؟
شجيرة الياسمين خلف باب الدّار؟
قبور الشّهداء؟
كيف سأحمل في حقيبة واحدة أربعين عاما تبخّرت من عمري ولم تترك في عيوني سوى حفنة ملح!؟
آخر ابنة عندي عمرها خمس سنوات، خُلقت في الحرب، لا تصدّق بوجود بقعة ليس فيها أصوات مرعبة كأصوات البراميل والصّواريخ الفراغية وأزيز الرّصاص!
ولا تصدّق أن هناك مكانا على وجه الأرض فيه مدرسة، وفيه الكثير من الخبز والثّياب الجديدة، وفيه فاكهة وخضروات كالتي تراها في الصور…
الولدان الآخران كانا صغيرين، بالكاد يذكران طعم الدرّاق والموز والحلويّات، رأيتهما غير مرّة يحاولان بصعوبة بالغة شرح طعم الدرّاق لأختهما!
ويحاولان تجسيد المدرسة لها بالكلام:
الدّرّاق: ثمرة مخملية تملأ الكفّ، لها رائحة جميلة، طعمها حلو مع القليل من الحموضة، فيها نواة خشبية خشنة ...!
المدرسة: عمارة كبيرة فيها الكثير من الأولاد الذين يجلسون مقاعد تشبه الكراسي، وفيها جرس يرنّ كل ساعة!
ولا تصدّق أن هناك مكانا على وجه الأرض فيه مدرسة، وفيه الكثير من الخبز والثّياب الجديدة، وفيه فاكهة وخضروات كالتي تراها في الصور…
الولدان الآخران كانا صغيرين، بالكاد يذكران طعم الدرّاق والموز والحلويّات، رأيتهما غير مرّة يحاولان بصعوبة بالغة شرح طعم الدرّاق لأختهما!
ويحاولان تجسيد المدرسة لها بالكلام:
الدّرّاق: ثمرة مخملية تملأ الكفّ، لها رائحة جميلة، طعمها حلو مع القليل من الحموضة، فيها نواة خشبية خشنة ...!
المدرسة: عمارة كبيرة فيها الكثير من الأولاد الذين يجلسون مقاعد تشبه الكراسي، وفيها جرس يرنّ كل ساعة!
صار الوقت ضيّقا، ولابد من التدخل:
- لن نستطيع حمل الكثير يا أبنائي، هيّا أسرعوا !
- أبي أريد أخذ دميتي لولو، وقطّتي اليتيمة، وزوج الكنارات والأرجوحة.
- أبي أريد أخذ طيور الحمام ودرّاجتي مكسورة العجلة، سأصلحها خارجا.
- أبي هل أحمل ثيابنا الشتوية؟ يقولون أن الهجرة إلى الشمال فيها الكثير من البرد!
- لن نستطيع حمل الكثير يا أبنائي، هيّا أسرعوا !
- أبي أريد أخذ دميتي لولو، وقطّتي اليتيمة، وزوج الكنارات والأرجوحة.
- أبي أريد أخذ طيور الحمام ودرّاجتي مكسورة العجلة، سأصلحها خارجا.
- أبي هل أحمل ثيابنا الشتوية؟ يقولون أن الهجرة إلى الشمال فيها الكثير من البرد!
لا بد من اجتماع قصير سريع، مع الأولاد وأمهم التي تبكي جانبا:
اسمعوا يا أولاد، لا نستطيع حمل الكثير، علينا أن نفتح باب القفص للعصافير، و الحمام من الحبيسة، وسنترك القطّة، كلّهم سيتدبرون أمرهم، وسنحمل ما هو مفيد، ما رأيكم بالقليل من التراب، وشتلة عنب، وزجاجة فارغة، لا تظنّوا أن الزجاجة فارغة، إن فيها من هواء المدينة.
اسمعوا يا أولاد، لا نستطيع حمل الكثير، علينا أن نفتح باب القفص للعصافير، و الحمام من الحبيسة، وسنترك القطّة، كلّهم سيتدبرون أمرهم، وسنحمل ما هو مفيد، ما رأيكم بالقليل من التراب، وشتلة عنب، وزجاجة فارغة، لا تظنّوا أن الزجاجة فارغة، إن فيها من هواء المدينة.
وافق الجميع دون تردد، باستثناء الصغيرة فقد فتحت باب القفص للعصافير وتابعتهم بعيونها إلى أن غابا في السّماء، أمّا القطة الصغيرة فقد خبّأتها بين ذراعيها وقالت:
أبي، هذه لا تستطيع أن تطير كالعصافير، إنها يتيمة وضعيفة، ستموت من الجوع والعطش!
أبي، هذه لا تستطيع أن تطير كالعصافير، إنها يتيمة وضعيفة، ستموت من الجوع والعطش!
وافقت على أخذ القطّة، لقناعتي أنّها تعادل روح ابنتي!
أخذنا الكثير من الصّور…
ألقينا نظرة أخيرة…
مددت خرطوم الماء من الخزان إلى دالية العنب ليسقيها نقطة نقطة كدموعي التي تسقي تربتها في تلك اللحظة، ثم مضينا إلى المجهول...
أخذنا الكثير من الصّور…
ألقينا نظرة أخيرة…
مددت خرطوم الماء من الخزان إلى دالية العنب ليسقيها نقطة نقطة كدموعي التي تسقي تربتها في تلك اللحظة، ثم مضينا إلى المجهول...
(لا تغادروا أرضكم… لأجل الله)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق