موسوعة شعراء العربية
المجلد الثامن \ شعراء النهضة العربية
بقلم فالح الكيلاني
( الشاعر التجاني يوسف بشير)
هوالتجاني احمد بن يوسف بشير بن الأمام جزري الكتيابي ينتسب الى قبيلة الجعليين العربية في السودان .
ولد بمدينة (أم درمان) عام \1912 عاصمة السودان الثانية ، وفيها تلقى دراسته الاولية والثانوية ولم اكمل دراسته في المعهد العلمي حيث فصل لأسباب سياسية وبالحقيقة هي ليست سياسية اذ انه مثل بعض قصائد الشاعر احمد شوقي بدلائل بعض ايات القران الكريم مما اثار غضب وحفيضة الاسرة التعليمية عليه فطرد من الدراسة.
التجاني أحمد بن يوسف بشير من قبيلة (الجعليين)؛ شاعر سوداني متمكن ولد في ( أم درمان ) من أسرة علم وأدب فحفظ القرآن الكريم في وقت مبكرثم التحق بجامع أم درمان حيث المعهد العلمي الذي أصبح (جامعة أم درمان الإسلامية.) .
عمل التجاني في الصحافة وكان مشهوراً بالذكاء وسعة الإطلاع والإلمام بأدب العالم العربي القديم والمعاصر بل تعدى ذلك ليكون مطالعاً على الأدب الغربي وصحافته. لكنه عاش حياة عملية بائسة حيث عمل في أكثر مهنة برواتب زهيدة كان أفضلها الإشراف على أحد المجلات تحريراً وإخراجاً وتصحيحاً مقابل أربعة جنيهات شهرياً .
وعمل بائعا فى محطه بنزين بعد ان انسدت ابواب الحياة بوجهه
ومنها السفرالى مصر لاكما ل تعليمه فما تمكن من مواصلة تعليمه فانكب على دراسة كتب الادب مجهدا نفسه حتى اعتلت . لاحظ قوله :
أملى فى الزمان مصر فحيا
الله مستودع الحضارة مصرا
نضر الله وجهها فهى ما تذداد
الا بعدا علي وعسرا
وتتكرر هذه الالام والمتاعب في جل قصائده يقول فى قصيدته (حيره) :
بين اثنين اسر ام ابكى
قبس اليقين وجذوة الشك
فى النفس حاجات وان خفيت
فلعلها ضرب من النوك
حبك القضاء شراكه ورمى
للعقل منه بضيق ضنك
والعقل ينصب من حبائله
نصبا معاقدها من الشوك
انا من فوادح ما تجر يد
ابدا قنيصة ذلك الحبك
مازلت اقطعه ويعقدنى
والمرء بين قلاقل ربك
وقد اصيب بمرض عضال نتيجة الجهد المضني والتعب الشدبد فيرزح الشاعر تحت وطأة الالام النفسيه والجسديه والروحيه والتى ظهرت فى شكل شئ من الوسواس القهرى فى قصيدته (يؤلمنى شك) لاحظ قوله :
ما كنت أؤثر فى دينى وتوحيدى
خوادع الآل عن زادى ومورودى
غررن بى وبحسبى ان روايتى
ملأى هريقت على ظمأى من البيد
افرغتها وبرغمى انها انحدرت
بيضاء كالروح فى سوداء صيخود
ورحت لا انا عن مائ بمنتهل
ماء ولا انا عن زادى بمسعود
اشك يؤلمنى شكى وابحث عن
برد اليقين فيفنى فيه مجهودى
اشك لا عن رضا منى ويقتلنى
شكى ويذبل من وسواسه عودى
الله لصرح الدين من ريب
مجنونه الرأى ثارت حول معبودى
ان راوغتنى فى نسكى فكم ولجت
بى المخاطر فى دين وتوحيدى
يصف الشاعر حالته المرضيه فى اخر قصيدة كتبها وهو يصارع الموت فيقول :
انا اليوم لا حراك كأن قد
شد فى مكمن القوى أوثاق
بت استنشق الهوى اقتسارا
نفس ضيق وصدر طاق
وحنايا معروقة.... وعيون
غائران.... ورجفة.... ومحاق
توفي وهو في الخامسة والعشرين من عمره وذاك عام \ 1938.
التجانى يوسف بشير يمتاز بروعة شعره وقوته ومتنانته وجزالته فهو برغم قصر سنى عمره التى ما تجاوزت الخمس والعشرين سنة أضاف الى التراث الادبى السودانى والعربى ديوانا رائعا اسماه (اشراقه) وتسمت الكثير من بنات السودان في حينه بهذا الاسم تيمنا باسم الديوان ويضم هذا الديوان قصائد روعة في الانشاد والبلاغة والخيال والفن الشعري فهذه السنوات القصيرة من عمره كانت مليئه بالآلام والمحن . يقول :
يا مُظلم الروح كم تشقى على حُرَقٍ ـ
مما يكابدُ منكَ القلبُ والروحُ
هدىً بجنبك مذبوحٌ يحفُّ به
في عالم الصَّدر قلبٌ منك مذبوحُ
.
التجاني شاعر مبدع فقد تمكن في اللغة والفصاحة والأسلوب الشعري و في شعره تتمثل البيئة السودانية وعاداتها وأخلاقها وتقاليدها، ويعد من شعراء الرومانسية العربية الحديثة. وله شعر في حب الوطن ومقارعة المستعمرين يقول عنه د.عبدالله الطيب:
(لم يجد التجاني يوسف بشير من نقاد العربية ما يستحقه من التقدير، ولم يشتهر بما هو أهل له من الاشتهار وذلك عائد لحداثته ولكونه من السودان ) .
واختم بحثي من جميل قصائده هذه القصيدة بعنوان
( الصوفي المعذب) يقول فيها :
.. هذه الذرةُ كم تحملُ في العالم سراً!
قف لديها وامتزج في ذاتها عمقاً وغورا
وانطلق في جوِّها المملوءِ إيمانا وبرّا
وتنقَّلْ بين كبرى في الذراريِّ وصُغرى
ترَ كلَّ الكون لا يفتر تسبيحاً وذكرا
وانتش الزهرةَ, والزهرة كم تحمل عطرا
نديتْ واستوثقتْ في الأرض إغراقاً وجذرا
وتعرتْ عن طرير خضِلٍ يفتأ نضرا
سلْ هزارَ الحقل من أنبتَهُ وردا وزهرا
وسلِ الوردةَ من أودَعَها طيباً ونشرا
تنظرِ الروحَ وتسمعْ بين أعماقِكَ أمرا
* * *
الوجودُ الحقُّ ما أوسع في النفس مداهْ
والكونُ المحضُ ما أوثق بالروح عُراهُ
كلُّ ما في الكون يمشي في حناياه الإلهْ
هذه النملة في رقتها رجعُ صداهْ
هو يحيا في حواشيها وتحيا في ثراهْ
وهي إن أسلمتِ الروحَ تلقّتْها يداهْ
لم تمت فيها حياةُ اللهِ إن كنْتَ تراهْ
* * *
أنا وحدي كنت استجلي من العالَمِ همسَهْ
اسمع الخطرة في الذر وأستبطنُ حسَّهْ
واضطرابُ النور في خفْقتِهِ أسمعُ جرسَهْ
وأرى عيدَ فتى الوردِ واستقبلُ عرسَهْ
وانفعالُ الكرمِ في فقعتِهِ أشهدُ غرسَهْ
ربِّ سبحانَك! إن الكونَ لا يقدر نفسَهْ
صغْتَ من نارِكَ جِنِّيَّهُ ومن نورِك إنْسَهْ
* * *
ربِّ في الإشراقةِ الأولى على طينة آدمْ
أممٌ تزخرُ في الغيبِ وفي الطينة عالَمْ
ونفوسٌ تزحم الماءَ وأرواحٌ تحاومْ
سبَّحَ الخلقُ وسبّحْتُ وآمنْتُ وآمنْ
وتسللْتُ من الغيبِ وآذنْتُ وآذنْ
ومشى الدهرُ دراكا ربذ الخطو إلى منْ...?
* * *
في تجلياتك الكبرى وفي مظهر ذاتِكَ
والجلا الزاخر الفياضُ من بعض صفاتِكْ
والحنانُ المشرقُ الوضاحُ من فيضِ حياتكْ
والكمالُ الأعظم الأعلى وأسمى سبحاتكْ
قد تعبدتُكَ زُلفى ذائداً عن حُرماتِكْ
فَنِيتْ نفسي وأفرغْتُ بها في صلواتِكْ
* * *
ثم ماذا جدَّ من بعد ِ خُلوصي وصفائي
أظلمت روحي.. ما عدتُ أرى ما زنا راءِ
ثُم في صحوِ سمائي أيهذا العثير الغالي وللموت رجائي
للمنايا السود آمايا يوم قضائي
آه يا موت جنوني آه قف تزودْ أيها الجبارُ من زادي ومائي
واقتربْ إنَّ فؤادي مُثْقَلٌ بالبُرَحاءِ
.
اميرالبيـــــــــــان العربي
د فالح نصيف الحجية الكيلاني
العراق- ديالى - بلـــــــد روز
**********************************
المجلد الثامن \ شعراء النهضة العربية
بقلم فالح الكيلاني
( الشاعر التجاني يوسف بشير)
هوالتجاني احمد بن يوسف بشير بن الأمام جزري الكتيابي ينتسب الى قبيلة الجعليين العربية في السودان .
ولد بمدينة (أم درمان) عام \1912 عاصمة السودان الثانية ، وفيها تلقى دراسته الاولية والثانوية ولم اكمل دراسته في المعهد العلمي حيث فصل لأسباب سياسية وبالحقيقة هي ليست سياسية اذ انه مثل بعض قصائد الشاعر احمد شوقي بدلائل بعض ايات القران الكريم مما اثار غضب وحفيضة الاسرة التعليمية عليه فطرد من الدراسة.
التجاني أحمد بن يوسف بشير من قبيلة (الجعليين)؛ شاعر سوداني متمكن ولد في ( أم درمان ) من أسرة علم وأدب فحفظ القرآن الكريم في وقت مبكرثم التحق بجامع أم درمان حيث المعهد العلمي الذي أصبح (جامعة أم درمان الإسلامية.) .
عمل التجاني في الصحافة وكان مشهوراً بالذكاء وسعة الإطلاع والإلمام بأدب العالم العربي القديم والمعاصر بل تعدى ذلك ليكون مطالعاً على الأدب الغربي وصحافته. لكنه عاش حياة عملية بائسة حيث عمل في أكثر مهنة برواتب زهيدة كان أفضلها الإشراف على أحد المجلات تحريراً وإخراجاً وتصحيحاً مقابل أربعة جنيهات شهرياً .
وعمل بائعا فى محطه بنزين بعد ان انسدت ابواب الحياة بوجهه
ومنها السفرالى مصر لاكما ل تعليمه فما تمكن من مواصلة تعليمه فانكب على دراسة كتب الادب مجهدا نفسه حتى اعتلت . لاحظ قوله :
أملى فى الزمان مصر فحيا
الله مستودع الحضارة مصرا
نضر الله وجهها فهى ما تذداد
الا بعدا علي وعسرا
وتتكرر هذه الالام والمتاعب في جل قصائده يقول فى قصيدته (حيره) :
بين اثنين اسر ام ابكى
قبس اليقين وجذوة الشك
فى النفس حاجات وان خفيت
فلعلها ضرب من النوك
حبك القضاء شراكه ورمى
للعقل منه بضيق ضنك
والعقل ينصب من حبائله
نصبا معاقدها من الشوك
انا من فوادح ما تجر يد
ابدا قنيصة ذلك الحبك
مازلت اقطعه ويعقدنى
والمرء بين قلاقل ربك
وقد اصيب بمرض عضال نتيجة الجهد المضني والتعب الشدبد فيرزح الشاعر تحت وطأة الالام النفسيه والجسديه والروحيه والتى ظهرت فى شكل شئ من الوسواس القهرى فى قصيدته (يؤلمنى شك) لاحظ قوله :
ما كنت أؤثر فى دينى وتوحيدى
خوادع الآل عن زادى ومورودى
غررن بى وبحسبى ان روايتى
ملأى هريقت على ظمأى من البيد
افرغتها وبرغمى انها انحدرت
بيضاء كالروح فى سوداء صيخود
ورحت لا انا عن مائ بمنتهل
ماء ولا انا عن زادى بمسعود
اشك يؤلمنى شكى وابحث عن
برد اليقين فيفنى فيه مجهودى
اشك لا عن رضا منى ويقتلنى
شكى ويذبل من وسواسه عودى
الله لصرح الدين من ريب
مجنونه الرأى ثارت حول معبودى
ان راوغتنى فى نسكى فكم ولجت
بى المخاطر فى دين وتوحيدى
يصف الشاعر حالته المرضيه فى اخر قصيدة كتبها وهو يصارع الموت فيقول :
انا اليوم لا حراك كأن قد
شد فى مكمن القوى أوثاق
بت استنشق الهوى اقتسارا
نفس ضيق وصدر طاق
وحنايا معروقة.... وعيون
غائران.... ورجفة.... ومحاق
توفي وهو في الخامسة والعشرين من عمره وذاك عام \ 1938.
التجانى يوسف بشير يمتاز بروعة شعره وقوته ومتنانته وجزالته فهو برغم قصر سنى عمره التى ما تجاوزت الخمس والعشرين سنة أضاف الى التراث الادبى السودانى والعربى ديوانا رائعا اسماه (اشراقه) وتسمت الكثير من بنات السودان في حينه بهذا الاسم تيمنا باسم الديوان ويضم هذا الديوان قصائد روعة في الانشاد والبلاغة والخيال والفن الشعري فهذه السنوات القصيرة من عمره كانت مليئه بالآلام والمحن . يقول :
يا مُظلم الروح كم تشقى على حُرَقٍ ـ
مما يكابدُ منكَ القلبُ والروحُ
هدىً بجنبك مذبوحٌ يحفُّ به
في عالم الصَّدر قلبٌ منك مذبوحُ
.
التجاني شاعر مبدع فقد تمكن في اللغة والفصاحة والأسلوب الشعري و في شعره تتمثل البيئة السودانية وعاداتها وأخلاقها وتقاليدها، ويعد من شعراء الرومانسية العربية الحديثة. وله شعر في حب الوطن ومقارعة المستعمرين يقول عنه د.عبدالله الطيب:
(لم يجد التجاني يوسف بشير من نقاد العربية ما يستحقه من التقدير، ولم يشتهر بما هو أهل له من الاشتهار وذلك عائد لحداثته ولكونه من السودان ) .
واختم بحثي من جميل قصائده هذه القصيدة بعنوان
( الصوفي المعذب) يقول فيها :
.. هذه الذرةُ كم تحملُ في العالم سراً!
قف لديها وامتزج في ذاتها عمقاً وغورا
وانطلق في جوِّها المملوءِ إيمانا وبرّا
وتنقَّلْ بين كبرى في الذراريِّ وصُغرى
ترَ كلَّ الكون لا يفتر تسبيحاً وذكرا
وانتش الزهرةَ, والزهرة كم تحمل عطرا
نديتْ واستوثقتْ في الأرض إغراقاً وجذرا
وتعرتْ عن طرير خضِلٍ يفتأ نضرا
سلْ هزارَ الحقل من أنبتَهُ وردا وزهرا
وسلِ الوردةَ من أودَعَها طيباً ونشرا
تنظرِ الروحَ وتسمعْ بين أعماقِكَ أمرا
* * *
الوجودُ الحقُّ ما أوسع في النفس مداهْ
والكونُ المحضُ ما أوثق بالروح عُراهُ
كلُّ ما في الكون يمشي في حناياه الإلهْ
هذه النملة في رقتها رجعُ صداهْ
هو يحيا في حواشيها وتحيا في ثراهْ
وهي إن أسلمتِ الروحَ تلقّتْها يداهْ
لم تمت فيها حياةُ اللهِ إن كنْتَ تراهْ
* * *
أنا وحدي كنت استجلي من العالَمِ همسَهْ
اسمع الخطرة في الذر وأستبطنُ حسَّهْ
واضطرابُ النور في خفْقتِهِ أسمعُ جرسَهْ
وأرى عيدَ فتى الوردِ واستقبلُ عرسَهْ
وانفعالُ الكرمِ في فقعتِهِ أشهدُ غرسَهْ
ربِّ سبحانَك! إن الكونَ لا يقدر نفسَهْ
صغْتَ من نارِكَ جِنِّيَّهُ ومن نورِك إنْسَهْ
* * *
ربِّ في الإشراقةِ الأولى على طينة آدمْ
أممٌ تزخرُ في الغيبِ وفي الطينة عالَمْ
ونفوسٌ تزحم الماءَ وأرواحٌ تحاومْ
سبَّحَ الخلقُ وسبّحْتُ وآمنْتُ وآمنْ
وتسللْتُ من الغيبِ وآذنْتُ وآذنْ
ومشى الدهرُ دراكا ربذ الخطو إلى منْ...?
* * *
في تجلياتك الكبرى وفي مظهر ذاتِكَ
والجلا الزاخر الفياضُ من بعض صفاتِكْ
والحنانُ المشرقُ الوضاحُ من فيضِ حياتكْ
والكمالُ الأعظم الأعلى وأسمى سبحاتكْ
قد تعبدتُكَ زُلفى ذائداً عن حُرماتِكْ
فَنِيتْ نفسي وأفرغْتُ بها في صلواتِكْ
* * *
ثم ماذا جدَّ من بعد ِ خُلوصي وصفائي
أظلمت روحي.. ما عدتُ أرى ما زنا راءِ
ثُم في صحوِ سمائي أيهذا العثير الغالي وللموت رجائي
للمنايا السود آمايا يوم قضائي
آه يا موت جنوني آه قف تزودْ أيها الجبارُ من زادي ومائي
واقتربْ إنَّ فؤادي مُثْقَلٌ بالبُرَحاءِ
.
اميرالبيـــــــــــان العربي
د فالح نصيف الحجية الكيلاني
العراق- ديالى - بلـــــــد روز
**********************************
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق