الأحد، 10 سبتمبر 2017

( بلاغـــة اللغــــة العربيــــــة ) .. بقلم الأستاذ/ د. فالح الكيلاني

( بلاغـــة اللغــــة العربيــــــة )
بقلم \ فالح الكيلاني
اللغة العربية لغة رائعة جمعت جمال الحرف وتشكيله وجمال اللحن والنغم وموسيقاه وجمال التكوين وتنسيقه وتكاملت في وجودها وفي اشتقاقيتها فهي متكونة اصلا من فعل واسم وحرف واشتقاقية في فعلها فاباحت للباحث والمتلقي الايتاء باسمى الكلمات واسناها تطورا فبقيت حية سامقة غضة كشجرة يانعة لتنبت براعما جديدة فتورق اغصانها بدوام خضرتها ووجودها وفقا لقواعدها الاساسية في نحوها وبلاغتها فكانت على مرالدهور والعصور في تطور مستمر واصول معينة اساسية بحيث جمعت الطارف والتليد بأصالتها وانفتاحها على اللغات الاخرى من حيث التزاوج والانصهار بما يحقق لها سمتا انجع وتقدما أسنى.
..
ومن جماليتها هذه البلاغة العجيبة بين مفرداتها وكيفية اتساقها بحيث يعرف الوارد من منهلها مدى مقدرته ومكانته اللغوية من خلال ما يكتب فيها او يشعر , فهي لغة شاعرة ناثرة لكل جميل . ومن اسمى ما وجد فيها وما اروم التحدث عنه بلاغتها من خلال محسناتها اللفظية والمعنوية و ابدأ في البديع البلاغي فاقول وبالله التوفيق :
.
علم البديع وُجد في اللغة العربية والأدب العربي منذ القدم بحيث استعمل الشعراء الجاهليون أساليب التنسيق والتنميق والتزيين مثل الشاعر زهير بن ابي سلمى بقصائده الحوليات والشاعر النابغة الذباني بمديحه للمنذر وغيرهما كثير بسليقتهم العربية الأصيلة والبعيدة عن التكليف ودون علمهم بالمصطلحات البلاغية الحديثة في البديع .
.
وحدث تطور جديد من خلال امتزاج الثقافة العربية باللغات المجاورة فجاء الشعراء بالاسمى والافضل بمرور الزمن بسبب احتضان الخلفاء للشعراء والادباء وعطائهم الثر اليهم وامكانية الشاعر العربي البلاغية .
.
فالبديع من اهم علوم البلاغة العربية , وبلاغته تحسين أوجه الكلام اللفظية والمعنوية والبديع ينقسم عند علماء العربية ونقادها وادبائها الى نوعين مهمين :
.
الاول : المحسنات اللفظية واهمها السجع والجناس والطباق
الثاني : المحسنات المعنوية : وتعني تحسين معنى الكلام والايتاء بالافضل , وربما يفيد بعضها تحسين الالفاظ ايضا لتكامل اللغة العربية وشد الكلام فيها بعضه بعضا. ومن اهم الاصناف فيه ما يلي :
ا - الطباق:
.
والطباق في العربية طباقان : طباق ايجابي كالجمع بين الشيء وضده او عكسه في الكلام كقول الله تعالى:
﴿ وتحسبهم أيقاظا وهم رقود ﴾
الكهف الاية\ 18
او في قوله تعالى :
((قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ)
(آل عمران: الايتان \ 26 -27
او مثل قولي :
الشمس تسطع في النهار بهية فيزينه اشراقها وزوالها
والطباق الاخر: طباق سلبي هو الجمع بين شيئين او امرين أحدهما مثبت والآخر منفي كقوله تعالى :
(قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ)
سورةالزمر: الآية\9
أو أحدهما أمريتوجب العمل به و الأخر منهي عنه كقوله تعالى :
( فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْن)
سورة المائدة: الآية\44)
وكذلك المقابلة: فهي تاتي لتوضيح المعنى وتوكيده وتيفيد الشمول كأن يؤتى بمعنيين غير متقابلين أو أكثر، ثم يؤتى بما يقابـل ذلك على الترتيـب ، مثـل قوله تعـالى:
﴿ فليضحكوا قليلا وليبكوا كثيرا ﴾
سورة التوبة:الاية \ 82
او كقوله تعالى :
(فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى * وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى)
سورة الليل الايات \5- 10
واقول :
او كلما ابغي الوصال تقربا تتباعدين بجفوة وتناسي
وكذلك التورية: هي أن يذكر لفظ له معنيان؛ أحدهما قريب ظاهر غير مراد، والثاني بعيد مخفي مرموز اليه هو المراد كقول الشاعر:
أبيات شعرك كالقصور ولا قصور بها يعوق
ومن العجائب لفظهـا حر الرقيق رقـيــــق
.
ب- اما النوع الثاني من البديع فهو الجناس :
.
والجناس : هو الايتاء بلفظين متشابهين نطقا وكتابة ومختلفين في المعنى. ليعطي جرساً موسيقياً تطرب له النفوس والاذان ويُثير الذهن والفكر وياتي من الفعل جانس الشيء اذا شاكله واتحد معه في الجنس.
.
وينقسم الجناس الى قسمين :
الاول الجناس التام : وهو ما يتفق فيه اللفظان تماما في اربعة امور:
نوع الحروف وعددها وترتيبها وهيئة تشكيلها كقوله تعالى :
﴿ويوم تقوم الساعة يقسم المجرمون مالبثوا غير ساعة﴾
سورة الروم الاية \55
.
وفيه امران :
الاول - الجناس المماثل . فالجناس التام المماثل ويكون فيه اللفظان
من نوع واحد سواء كان اللفظ اسما او فعلا كقول الشاعر:
اذا البلابل افصحت بلغاتها فأن البلابل باحتساء البلابل
فكلمة (البلابل) الاولى تعني الطيور الجميلة المعروفة واحدها( بلبل ). والثانية تعني الهموم او ما يعكر صفوالمرء ومفردها (بلبلة ), و(البلابل ) الثالثة تعني الخمرة , وكلها من الاسماء.
.
ب . الجناس التام المستوفي: مثل قول الشاعر:
لو زار طيف ذوات الخال احيانا ونحن في حفر الاجداث احيانا .
فكلمة احيانا الاولى اسم بمعنى زارنا مرة بعد مرة او زارنا باوقات مختلفة, وكلمة احيانا الثانية فعل بمعنى ( احيا ) اي اعاد الحياة الينا .
او في قولي :
انسان عين الله في وضح الضحى انسان عين الخلق فيما تشهد
.
الجناس الثاني :الجناس الناقص: وهو ما اختلف فيه اللفظان في واحد من الأمور الأربعة المتقدمة: نوع الحروف اوعددها اوترتيبها اوضبط حركة تشكيلها وكما يلي :
1-الاختلاف في نوع الحروف : - مثل قول أبي فراس الحمداني :
من بحر شعرك (اغترف ) وبفضل علمك (اعترف )
2- وقد ياتي الاختلاف في عدد الحروف فياتي الاختلاف في اول الكلمة اوفي وسطها او اخرها فاذا جاء في اولها سمي (المردوف ) كقول الشاعر:
(سلوا) قلبي غداة (سلا ) وتابا لعل على الجمال له عتابا
وقد تاتي الزيادة في وسط الكلمة فيسمى (المكتنف ) مثل:
(جدي) ( جهدي) .
اومثل قول أحدهم : الرجل (العالم )يعرف جميع (المعالم)
وقد تاتي الزيادة في اخره ويسمى( المطرف ) كقول ابي تمام :
يمدون من ايد (عواص) (عواصم )
تصول بأسياف( قواض) ( قواضم )
3- وقد تاتي في الاختلاف في ترتيب الحروف كقول أبي تمام :
بيضُ( الصَّفائحِ) لاَ سودُ (الصَّحائفِ )
في مُتُونِهنَّ جـــلاءُ الشَّـــك والريَبِ
4- الاختلاف في ضبط حركة الحروف . كقول الشاعر :
يا للغروب وما به من ( عَبرة ) للمستهام و(عِبرة ) للرائي
وهناك الجناس المضارع واللاحق مثل قوله تعالى:
( ويل لكل همزة لمزة ) سورة الهمزة الاية \1
او قول احدهم : ( ذئاب طلس في ثياب ملس )
وجناس القلب- كقول الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم:
( اللهم استر عوراتنا وآمن روعاتنا )
او قول احدهم :
(رحم الله امرءا امسك مابين فكيه واطلق ما بين كفيه )
وقد جمع فيه طباقا في (امسك و اطلق )وجناسا بين ( فكيه وكفيه )
رد العجز على الصدر: وهو أن يجعل أحد اللفظين المكررين أو المتجانسين في اللفظ دون المعنى، في أول الفقرة والآخر في آخرها، مثل قوله تعالى:
﴿وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه﴾.
.
جـ - السجع: ويكون في النثر دون الشعر وهو توافق الفاصلتين من النثر على حرف واحد في الآخر،واستعمل السجع في الخطابة كثيرا في العصر الجاهلي حتى قيل (سجع الكهان ) وكثيرا ما استخدمه الخطباء في خطبهم ويقال له ايضا ( الترصيع ) وسر جمال السجع انه يحدث نغماً موسيقياً يثير النفس وتطرب إليه الأذن ويتسع له الصدر إذا جاء من غير تكلف وافضل انواع السجع ما تماثلت جمله . مثل قول الحبيب المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم في دعائه الشريف :
(ربّ تَقَبَّلْ تَوْبَتِي، وَاغْسِلْ حَوْبَتي، وَأجِبْ دَعْوَتي، وَثَبِّتْ حُجَّتِي.)
وقيل ايضا :
( أن الشعر يحْسُنُ بجمال قوافيه ، و النثر يَحْسُنُ بتماثل الحروف الأخيرة من الفواصل )
وافضل انواع السجع ما تماثلت جمله مثل قول احدهم :
(الحقد صدأ القلوب ، واللجاج سبب الحروب) واللجاج هو التمادي في الخُصومة واظهارها او تهويلها .
ومن السجع خطبة لقس بن ساعدة الايادي في الجاهلية يقول فيها :
( أيها الناس، اسمعوا وعوا، وإذا سمعتم شيئا فانتفعوا، إنه من عاش مات، ومن مات فات، وكل ما هو آت آت. إن في السماء لخبرا، وإن في الأرض لعبرا. ليل داج، ونهار ساج، وسماء ذات أبراج، وأرض ذات فجاج، وبحار ذات أمواج. ما لي أرى الناس يذهبون ولا يرجعون؟ أرضوا بالمقام فأقاموا أم تركوا هناك فناموا؟ تبا لأرباب الغافلة والأمم الخالية والقرون الماضية )
ومنه في العصرالعباسي قول الحريري :
(فهو يطبع الأسجاع بجواهر لفظه ، ويقرع الأسماع بزواجر وعظه .)
والى دراسة اخرى في بلاغة لغتنا الشاعرة
.
امير البيــــــــــــــان العربي
د . فالح نصيف الحجية الكيلاني
العراق - ديالى - بلـــــــــــد روز
.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق