الأربعاء، 1 مارس 2017

إطلالة على رواية ( العَلَم) للروائي محمد حسن الحفري بقلم( محمد فتحي المقداد)*

إطلالة على رواية
 ( العَلَم) للروائي محمد حسن الحفري
بقلم( محمد فتحي المقداد)*
التاريخ والجغرافيا :
 قرية صغيرة غافية على ضفاف نهر اليرموك عند التقائه بوادي الرقاد, اسمها (معريّة) هذه القرية النائية بين أحضان السهول والوادي بعد أن شهدت معركة اليرموك دخلت في عالم المجهول والنسيان,إلاّ ممن سكنوها وامتزجوا بترابها عشقاً أبدياً, إلى عادت لواجهة التاريخ من جديد, بعد حرب حزيران 1967و الهجوم الإسرائيلي المتكرر عليها مما جعلها أكوماً لا حياة فيها , لتكون شاهداً حيّاً على الهمجية الصهيونية, وجاءت اتفاقية فصل القوات لتكون القرية المهدمة في المنطقة العازلة, مما اضطر أهلها تحت وطأة الاتفاقيات, لأن يرحلوا إلى ما خلف الخطوط, ويقوموا من جديد ببناء مساكن لهم, افتقدت الكثير من روح المتجذرة, ولتأتي مرحلة المعاناة من أنظمة قوات الطوارئ الدولية ذات القبعات الزرقاء, عندما اقتطعوا مساحات لأماكن معسكراتهم ومخافر حراستهم ودورياتهم على مدار الساعة, وما جلب ذلك من مشاكل على القرية الهادئة, وكذلك قوات الحراسة السورية التي تراقب الحدود على مدار التاريخ, من خلال المواقع التي اتخذوها في القرية وأحياناً تتلامس مباشرة مع بيوت القرية, وكذلك أجهزة الإستخبارات التي تراقب الحدود خوفاً من التسلل والتهريب على جانبي الحدود.
الواقع الجديد:
 قرية قابعة خلف خطوط النسيان تعود للواجهة يأتي العالم كله من مختلف بقاعه إليها, ولتأتي كل مشاكل الذين أتوا إلى "معرية" ليحاكي فيها التسلط والقمع الذي مورس على أهلها وزرع الخوف بين أهل القرية, ومنهم من حصل على المجلات الجنسية تلك الثقافة التي وفدت مع قوات الطوارئ الدولية, وما جلبت معها لاغتصاب جديد للأراضي, واستعمار جديد يجثم على أرضنا, وذلك باسم شرعة الأمم المتحدة.
 ومعرية تلك القرية التي شاطرت الفلسطينيين محنتهم, فكانت أن فتحت صدرها وقلبها وبيوتها, للأخوة الذين شردتهم لعصابات الصهيونية , فكانوا أعزاء كأنهم في وطنهم, ولم يكن هناك من الفروق الواضحة بين أصحاب البلد والوافدين الجدد, الذين احتضنوا بكل حب ومودة.
 ولم تقف الأمور عند هذا الحد, بل كانت التحديات كبيرة, لتلك القرية"معرية" التي عادت لواجهة مسرح الحياة و التاريخ بفعالية , من خلال التميز بموقعها على خط الهدنة, وكانت القوات العسكرية السورية و استخباراتها التي كان لها الدور السلبي على السكان وما حدث من مضايقات للسكان وتحرش الجنود بنساء وبنات القرية, حيث حدثت الثلمة في النسيج الاجتماعي من تلك الجرائم من الاغتصاب, وزواج البنات بدون إذن أهلهن, بأن تذهب خطيفة مع من أحبت من الجنود, إضافة لانتشار جرائم القتل التي تسمى بجرائم الشرف.
الواقع الاجتماعي:
 رصدت رواية " العلم" للكاتب محمد حسن الحفري, بجرأة غير معهودة لكشف مواطن الفساد الاجتماعي, في مجتمع القرية الصغير من مثل تلك الخلافات فيما بين العائلات,ومجتمع الفلاحين البسيط الذي تكثر خلافاته حول الأراضي والزراعة والعمل بالأراضي, وكل الناس يعمل بنسائه ورجاله وأطفاله, والذين لم يحصل الكثير منهم على فرص التعليم إلا القلة القليلة التي مضت وقد واصلت مسيرة طلب العلم,وكذلك قد دفعت القرية ضريبة الجغرافيا من أجل الوطن, بتهديم بيوتها من الطيران والمدفعية الإسرائيلية وكذلك استشهاد عدد من شباب ونساء ورجال وأطفال القرية, والتي لم يخل بيت في القرية من أحدهم أو أكثر من شهيد.
 وقد شهدت الرواية معالجة جريئة للإدارات الحكومية المتكلسة على نفسها بالروتين المقيت, والفساد الإداري الذي تفشى بطريقة بشعة, وتحكم بضعة أفراد كمدراء برقاب كل دائرة يمكسونها وكأنها إقطاعة لهم يتصرفون بها كتصرف المالك بملكه الخاص, والمفارقة العظمى التي سلط الأضواء عليها التمسك بالشعارات الفارغة لخداع الجماهير,وحرفها عن أهدافها الحقيقية في التنمية, والظلم الحقيقي الذي يقع على الكثير من الموظفين الشرفاء الذين لا دور لهم بفاعلية بل وضع الآخرين ممن تقل كفاءاتهم وينعدم شعورهم بالمسؤولية الوطنية, وهم مجموعة من الانتهازيين الذي لعبوا بمقدرات الوطن, وجمعوا الثروات والأموال من عرق ودماء الوطن, وهم يفعلون ذلك باسم مصلحة الوطن.
 القرية "معرية" جزء أصيل من الوطن العربي, تتحسن بحب ووجع لآلام الأمة العربية من المحيط إلى الخليج, والتألم لما يحصل في كل بقاع العروبة كذلك كان الكاتب جزء أصيل من الرواية بث فيها روحه ونفسه العميق برسم اللوحة الجميلة لفسيفساء المجتمع القرية, بكل تعرجاته وجمالياته وبساطته ومشاكله الصغيرة والتي لم يتجاوز بها حدود القرية, وباقتدار عجيب نقل القرية من عالم النسيان في غياهب المجهول,إلى صدارة المسرح الفاعل وارتباط مشاكل القرية الصغيرة بما يحدث في العالم أجمع من مشاكل, وجعل القرية بامتياز كأنها مركز الكون, من خلال قلمه الجميل الذي رسم تلك اللوحة التي أضافت لمثلي ممن لم يكن يعرف حتى اسم تلك القرية التي نهضت للواجهة والذاكرة من خلال محمد الحفري, حتى حداني الشوق لزيارتها وتلمس مواطن القوة والضعف في "معرية".
بصرى الشام 11-2-2011م

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق