السبت، 17 ديسمبر 2016

فروة المختار .. للقاص الكبير الأستاذ / عبدالصبور محمد الحسن

فروة المختار
 كانت وما تزال فروة المختار مصدر فخره وفخرنا أيضا، يزهو بها أكثر من زهوه بخاتم المخترة المدوّر. 
 كيف لا!؟ وقد أتته هديّة من القائم مقام، الذي تتّصل زوجته بصلة قرابة -ولو أنها بعيدة- مع زوجة المختار (فهيدة الجَرَزون) 
 يومها، زار القائم مقام قريتنا، قلّد (أبا رعد) خاتم المخترة، وخلع عليه هذه الفروة الثّمينة، وخطب خطبة عصماء بتراء في ساحة القرية، حثّنا فيها على رصّ الصّفوف وراء المختار الجديد، والثّقة بحكمته العظيمة، وقال جملته المشهورة التي كتبناها على الحيطان، وعلّقها المختار في مضافته ضمن إطار مذهّب:
{{سيبقى أبو رعد مختار قريتكم إلى أن تبلى هذه الفروة}}
 وقد صار يوم تنصيب المختار عيدا سنويا في قريتنا، بل أمرَنا بأن نجعله بداية لتأريخ الأحداث في القرية، فنقول مثلا:
 ولِدت بقرة (أبي خيرو) في السّنة الثّانية من تنصيب المختار!
 ونقول أيضا: تمّ طلاق (فطّومة الجرن) لخمس سنوات خَلَوْنَ من تنصيب المختار، ورمزنا لذلك اختصارا بــ (ت.م)
 وبالعودة إلى فروة المختار، فقد كانت في الحقيقة فروة فخمة، مصنوعة من قماش الجوخ الإنكليزيّ الفاخر، وبطانتها من فراء الحملان الرّضيعة التي ولدت لتوّها، مطرّزة حوافها بالخيوط المقصّبة، وقد تمّت خياطتها على يد أمهر خيّاط في مدينة (حماة) التي تتمدّد على ضفاف نهر العاصي كالعروس.
 يرتديها المختار في المناسبات غير العاديّة، مثلا عندما يدخل في وساطة صلح بين اسرتين متقاتلتين، أو عندما يكون ضمن وفد الوجهاء في طلب يد إحدى الفتيات لأحد الشّباب في القرية، ونراها يرتديها بفخر وثقة في الأعياد الوطنيّة والحزبيّة والمهرجانات الخطابيّة، كعيد الفستق الحلبي، وعيد انتخاب ملكة جمال الشّوندر السّكّري، وخميس الأموات ...
 أبو رعد مختار قريتنا منذ عشر سنوات، أمّا في القرى المجاورة، فيتبدّل المختار كلّ أربع سنوات بالانتخابات النّزيهة، أما في قريتنا فما تزال فروة المختار جديدة كأنّها خيطت البارحة، وليس لنا أن نطالب بانتخاب مختار جديد ما لم تبلى!
 ومع أنّ (أبا رعد) طويل أنيق، لا يدخن، ويأكل الكثير من العسل والجرجير، ليحافظ على وسامته وشبابه.
 في الحقيقة، هو ممتاز جدا ما لم يتكلّم، فإذا ما تكلّم تكشّف عقله عن عقل تيس ماعز كهل، لقد خبِرناه وعرفناه، فقد كاد أن يشعل حربا بيننا وبين القرية المجاورة إثر خلافنا على ترعة الماء، بسبب سطحيته وقلة تدبيره!
 الآن، ومنذ عشرة أيام والقرية تعيش أسوأ أيامها، منذ دخل المختار إلى المسجد للصّلاة، حيث علّق الفروة بمسمار على الجدار، ودخل للوضوء، ولما خرج لم يجدها!
لقد سُرِقت فروة المختار!
 ومع سرقتها فقد أبو رعد صوابه، إذ شتم أهل القرية داخل المسجد، وحلف بالطّلاق ألا يدخله مرّة ثانية، بل إنّه لن يصلي أصلا! ثم ذهب واعتكف في بيته!
 والمصيبة أنّ الخبر قد وصل سريعا إلى القائم مقام، فأتى القرية، ثمّ جمعنا في السّاحة، شتَمَنا، وهدّدنا بسوق الشّباب إلى الجنديّة، وبحرق المحاصيل، مالم تعد الفروة حتّى أذان العصر، مع وعد بالعفو عن السّارق!
ولمّا لم تعد، جاء في اليوم التّالي ومعه ثلاث فراوات، أعطاها للمختار وقال لنا:
 أيّها الأوغاد، أبو رعد مختاركم إلى أن تبلى هذه الفروات الثّلاث!



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق