السبت، 24 ديسمبر 2016

موز صومالي .. للقاص الكبير الأستاذ /عبدالصبور محمد الحسن

موز صومالي
 كنتُ في الصّفّ السّادس الابتدائيّ، عندما دخل علينا الفصل الرّفيق الحزبيّ (أبو الهدى) كمندوب من الحزب في مهمّة رسميّة. 
دخل الفصل قاطعا الدّرس  دون استئذان، بدأ الحديث بتأثّر مصطنع، لماذا مصطنع!؟ لأنّنا نعرفه جيّدا، ونعرف كلّ هؤلاء الثّعالب الذين يقومون بمهمّات حزبيّة، نعرف خلفيّاتهم الفكريّة والأخلاقيّة، لذلك لا يقتنع بهم أحد، ولو حلفوا الأيمان المغلّظة وهم يضعون أيديهم على القرآن. 
قال، وقد بذل جهدا في إظهار التّأثّر:
إنّ دولة الصّومال الشّقيقة تعيش في مجاعة كبرى، النّاس بلا مأوى، بلا طعام، وأطفالهم مثلكم بعمر الورد لا يذهبون إلى المدرسة لأنّهم لا يملكون دفاتر وأقلاما.
 وقد قرّرنا في القيادة أنّ نمدّ يد العون والمساعدة لإخواننا في الصّومال، ونجمع الآن المال والدّفاتر ضمن حملة تبرّعات شعبيّة بعنوان:
لن نشبع حتّي يشبع الصومال!
 غدا سأعرّج على فصلكم مرّة ثانية، لأجمع منكم ما ستقدّمونه من مال و دفاتر، نريد أن نجمع مالا بمقدار حبّنا للصّومال.
في الحقيقة، جعلني كلامه أدخل في صراع مع نفسي:
إذا كان أبو الهدى كاذبا كعادته؟! فسيسرق المال وسيبيع الدّفاتر.
 ولكن، ماذا لو كان صادقا هذه المرّة؟ عندها سأندم ندما شديدا إن لم أقدّم شيئا، لذلك، وخروجا من هذه الدّوامة، قرّرت شراء دفتر لأقدّمه لأطفال الصّومال.
فتحتُ الدّفتر على أوّل ورقة وكتبتُ الرّسالة التّالية:
أخي الصّومالي:
 في كلّ سنة يجمعون منّا تبرّعات لإرسالها إليكم، ولكنّنا مانزال نرى أجسادكم الطّاهرة هياكل عظميّة يكسوها جلد رقيق، ومايزال الذّباب يأكل وجوهكم السّمراء، وأرواحكم تتبخّر إلى السّماء كأنّها قطرات الندى! لا نشكّ أبدا في أنّ كلّ ما نتبرّع به لا يصل إليكم، حيث يسرقه أبو الهدى وباقي الرّفاق، إنّ المصائب موسمهم المفضّل الذي ينتظرونه كلّ حين، فجيوبهم لا تمتلىء، ونفوسهم لا تشبع!
 ولكن، إذا وصلكم دفتري، فاعلموا أنّنا نحبّكم، ونتألّم لجوعكم، ولا نهنأ بطعام ولا نوم، وكنّا نتمنى لو أنّ جامعة الأنظمة العربيّة والعاربة والمستعربة والبائدة قد أزالت الحدود لنأتي بكم إلى هنا، حيث نغرق بخيرات الأرض.
 في اليوم التّالي، وفي نفس الموعد، جاء أبو الهدى، جمع المال، ووضع الدّفاتر في حافلته الصّغيرة ومضى.
 بعد عدة أيام، رأيتُ -مصادفة- الكثير من الدّفاتر مختلفة الأشكال والألوان -ومنها دفتري- في إحدى البقّاليات، فاشتريته ثانية، ووضعته في حقيبتي كدليل لا أجرؤ على مواجهة أبي الهدى به.
أبو الهدى الذي زار المدرسة وقال لنا في الاجتماع الصّباحيّ:
 إنّ أطفال الصّومال يبلغونكم أجمل التّحيات، ويشكرونكم على وقفتكم الرّائعة معهم، وسيرسلون لكم الكثير من الموز الصّوماليّ الفاخر، ولكنّهم ينتظرون بناء مطار وشراء طائرات للشّحن!
 وأودّ أن أنقل لكم خبرا سيّئا، وهو أنّ الجراد هاجم دولة موريتانيا الشّقيقة وأتى على الأخضر واليابس، ولكن من المؤكد، أنّنا لن نتركهم يموتون جوعا!



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق