الخميس، 17 نوفمبر 2016

موسوعة شعراء العربية المجلد السادس\ الجزء الثاني شعراء العربية في الاندلس .. للشاعر د. فالح الكيلاني

موسوعة شعراء العربية
المجلد السادس\ الجزء الثاني
شعراء العربية في الاندلس
بقلم - فالح الكيلاني
( ابن الجنان الانصاري )
هو أبو عبدالله محمد بن أحمد الأنصاري الملقب (ابن الجنان ) الاندلسي وقد تلقب بهذا اللقب عدد من أعلام الأندلس. عاش في القرن السابع الهجري، عصر الموحدين .
ولد في مدينة ( مرسية ) سنة\ 615 هجرية –1218 ميلادية و نشأ نشأة اقرانه او مثل أبناء عصره وتعلم في وقت مبكر من حياته وعاش في القرن السابع الهجري في زمن عهد الموحدين فشهد مجد هذه الدولة وشهد ضعفها وانحسارها .
وكان متعلقا بأبيه شديدا وباراً بأمه، وكان له أخوين خاطبهما بشعر حينما رثى والده بقصيدة وبرِّه إياه كثيرا حيث يذكر ذلك في أطول قصيدة له في ديوانه ويذكر وفاته التي كانت أيام سقوط ( مرسية) سنة 640هجرية - يوم اشتدت شوكة الإسبان وتسلطوا على الأندلسيين فاضطر الشاعر إلى الرحيل عنها إلى (أوريولة) في حين ترك أباه الذي تعلق بوطنه حتى اشتد مرضه بعد عام من رحيله ولم يمهله القدر بعدها فقال في ذلك :
أبى مصاب أبي مني السلوَّ، فيا
هجَرتُ داري وأحبابي ومن شِيمي
ويصور حيرة أبيه بين إجابة داعي حب الوطن، والاستجابة لنداء القلب في حب الولد فعاد اليه ليراه فمات والده بعد عدة ايام من وصوليه اليه فيقول:
قلبي وجفني، قفا نبكِ الحبيب قِفَا
وصل المهاجر إما خانني وجفا

ما زلْتُ أجذبه والدار تجذبه
فآتياً سبقا نحوي ومنصرفا
فجاء أوريولةً يماً كعادته
يُطيعُ قلباً بحبي كان قد شُغفا
أقام تسع ليال ما وجدت له
فيها شفاء ولا صدر المشوق شفا

يا ابني أبي لا تكونا في مُصابكما
كمثل مِن نكر الأخوانَ أو نكفا
يا ابني أبي أسْعدا بالله صنوكما
بعبرةٍ تفضحُ الهطالة الوكفا
غذَّى وربَّى وأولى كُلَّ عارِفَةٍ
وبالحنانِ لنا في ظلَّه كنفا
مسَّهدَ الجفنِ لا ترمش مدامعه
كأنَّما طَرْفُه من دوننا طَرِفا
أيّامَ علَّمني التنزيلَ يمنحني
منه الهدى وعلى أخذى له اللّطفا
قد كانَ عِلَّة كوني ثم رشَّحني
إلى الحياة التي أرجو بها الزّلفا

كان لطيف الشمائل وقوراً، أما عن صفاته الخَلْقيّة، فقد كان مفرطاً في القماءة، حتى يظن من شاهده إذا استدبره أنه طفل ابن ثمانية أعوام أو نحوها، ولله درّه إذ استبدله الله محاسن الخُلق بقماءة خَلقه فقد كان ذكره كالعطر في حياته وأصبح من علماء عصره المشهورين، من أهل الرواية والدراية فكان محدثاً، كاتباً بليغاً،و شاعراً بارعاً، وصف بجودة الخط، وحسن الضبط، والحفظ والاتفاق. وقد أحرز ابن الجنان مكانة وشهرة واسعة في عصره، كان شاعراً وناثراً،.
انتقل من بلدته حين تمكن الاسبان سنة \ 640 هجرية -1242 ميلادية من احتلالها واستقر بمدينة (أرويله ) ثم استدعاه الرئيس أبو علي بن خلاص في مدينة ( سبة ) بالغرب العربي . فوفد عليه وحظي عنده حظوة تامة ثم توجه إلى الى الشرق فاستقر بمدينة ( بيجاية ) في (تونس) .
روى عن علماء عصره أمثال: أبي الربيع بن سالم، وأبي الحسن بن سهل بن مالك، وأبي علي الشلوبين. ومن روى عنه قليل، منهم: صهره أبو القاسم بن نبيل، أبو الحسن محمد بن زريق.
أحرز ابن الجنان مكانة وشهرة في عصره فكان من ذوي المواهب وجرت بينه وبين العلماء والأدباء في عصره مخاطبات ومكاتبات ظهرت فيها براعته و من هؤلاء العلماء : أبو الحسن علي بن محمد بن علي الرعيني، وأبو المطرف بن عميرة المخزومي، وابن المرابط، وغيرهم.
ذكره لسان الدين ابن الخطيب فقال:
(ومحاسنه عديدة، وآماده بعيده.. وكتابته شهيرة، تضرب بذكره فيها الأمثال، وتطوى عليه الخناصر ).
أما المقري، فقد أعرب عن إكباره له، وأشار إلى سعة أخباره، وجودة أدبه فقال فيه :
(وترجمة ابن الجنان واسعة جداً، وكلامه في النَّبويات نظماً ونثراً جليل وكم لهذا الكاتب من محاسن، ماؤها غير آسن).
توفي في مدينة ( بيجاية ) التونسية ) سنة\ 646هجرية - 1248ميلادية .

أبو عبدالله ابن الجنان يمتاز بغزارة شعره فقد نظم في اغلب موضوعات الشعر وفنونه الا انه كان ذا نظرة دينية فابتعد عن الموضوعات التي مقتها الاسلام مثل الغزل الماجن والقول في الخمرة او الهجاء و عزف عن النظم بها وينبع هذا الامر من نشاته وسيرته وسلوكيته الدينية اذ نجد في شعره نظرته الدينية في توحيد الله تعالى ومدح الحبيب المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم يقول متشوقا لله تعالى وحج بيته الحرام :
له الله من ذي كربةٍ ليس يرتجى
لمرتحل سوى الله فارجا
يخوض بحارَ الذنب ليس يهابها
ويصعق ذعراً أن يرى البحر هائجاً
يتيه ضلالاً في غيابة هَمِّه
فلا حِجْرَ يهديه لرشدٍ ولا حِجا

لعل شفيعي أن يكون معاجلاً
لداء ذنوب بالشّفاء مُعالجاً
فما لي لآمالي سوى حب أحمدٍ
وصلت له من قرب قلبي وشائجا

وفي دواعي حج بيت الله الحرام تهيج لواعج الشوق، ونيران الصبابة فيقول :
يا حاوي الركب، قِفْ بالله يا حاوي
وارحم صَبابة ذي نأي وابعَادِ
ما ينبغي عنك إلا أن تُصيخ له
سمعاً ليسأل عمّن حَلَّ بالوادي
بين الجوانج نار للجوى و قدتْ
فإن قدرت فاخمدْ بعض اخمادِ
هيهات تسطيع اخماداً وذكرهم
يزيدُ نارَ ضلوعي نار إيقادِ
وجدي بهم وجد ذات الضِمء حِيلَ بها
عن وِردِها صرفَ رُوّاد ووراد
واقرأْ سلامي على تلك الخيام كما
يرضى الوفاءُ بتكرير وتردادِ
وقلْ غريبكم في الغَربِ ناءَ به
يا حاويَ الرّكب قفْ بالله يا حادي
ويكتب ليودع شهر رمضان في قصيدة ضادية فيقول :
مضى رمضان وكأن بك قد مضى
وغاب سناه بعدما كان أومضا
ففي بينه بيِّنْ شجونَك مُعلماً
وفي إثره أرسلْ جفونك فُيَّضا

جزاهُ إلهُ العرش خَيرَ جزائه
وأكرمنا بالعفو منه وبالرِّضا؟
وصلىّ عليه من نَبي مُبارك
رؤوفٍ رَحيم للرّسالة مُرتضى

وقيل حضر (أبو العلاء بن المرابط )عنده يوماً فقال له :
أأبا العلاء وأنت تدري ما الذي
تطوى عليه من الوِداد ضلوعي
تختصكم مني تحيةَ شيِّق
لولا اختصارِي لامتَحت بدموعي
راعيت فيها للوفاء أذمةً
إنّ الوفاء أحق شيء روعي
فسأله الشاعر أن يكتب له شيئاً فكتب أبو العلاء (الله) وطلب منه ان يجعلها افتتاحية لقصيدة فقال منشدا :
لله فضل في الوجود أفاضه
كم نعمة وتفضّلٍ الله
لله ما أوفى وأوفرَ منَّةً
في كل شيء منةٌ الله
لله فينا رحمةً مبثوثةً
تحيى بها، وبرأفةٍ الله
و طلب منه ان يعارض قصيدة مسلم بن الوليد ( صريع الغواني ) في الغزل فابدع في معارضتها في حب الحبيب فقال :
فهمت بمحبوب فَهمتُ كماله
فلم يلتفت إلا لحَضرَته سِرِّي
حبيبٌ تعالى أن يحيط بوصفه
مقالي، وأن يُحصي محامِدَه شكري
فكل حجاب فهو عندي وعنده
تَجلٍ، إذا أَجلو: بأذكاره فكري
له الكلّ منّي بل هو الكلّ وحده
فمن أنا؟ لا أدري، حَسرى ولا أدري
فنيت به لمّا سَكِرت بحبّه
فمحوىَ إثباتي، وصَحويَ في سكري
سقاني بأكواس المحبةِ صرفها
فيا حبّذا خمرُ المحبةِ من خمري
واختم بحثي بهذه الابيات الرائعة من قصيدته في مدح الحبيب المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم فقال :
سلام على من جاء بالحق والهدى
ومن لم يزل بالمعجزات مؤيداً
سلام على خير البرية شيمة
وأكرمها نفساً وبيتاً ومحتدا
سلام على المختار من آل هاشمٍ
إذا انتخبوا للفخر أحمدَ أمجدا
سلام على زين النَّدى إذا انتدى
وأجمل ذي حلم تعمم وارتدى
سلام على من سلِّمت لجلاله ال
أمانةُ مذ شد الإزار ومذ شدا
سلامٌ على من طهر الله قلبه
فأصدر شرحُ الصدر منه وأوردا
سلامٌ على المحبو من حب ربه
حباءَ الذي يُسمى الجيب الممجدا
سلامٌ على من نوه الله باسمه
فأثبته في العرش سطراً مقيداً
سلامٌ على من ساق جبريل نحو ال
براق وقال اركبْ كرمت موفّداً
سلامٌ على من خصه الله بالعلا
وأسمى له فوق السموات مُصعداً
سلامٌ على من سار في الليل سيداً
فزار من البيت المقدس مسجداً
سلامٌ على من رحبت بقدومه
ملائكة قالت له اصعد لتسعدا
سلامٌ على من حَلَّ بالسدرة التي
هي المنتهى فاختل للصدق مقعدا
سلام على من كان من قرب ربه
كقاب ولا أين هناك ولا لدى
سلام على من أسند الله وحيه
إليه فعن اسناده الدين أسندا
سلام على من أن بالرسل ممسياً
فأضحى إماماً للنبيين سيداً
سلام على من كان فاتح فضلهم
ولكن بفضل الختم قد كان مفردا
سلام على النور الذي كان كامناً
بآدم إذ خر الملائك سجدا
سلام على من كان أشرف دعوةٍ
بها شرف الله الخليلَ ومحمدا
سلام على من ودّ موسى أتباعه
ودان بإيمان به وتعبدا
سلامٌ على بشرى المسيح بن مريم
فقد صدقت للصادق الوعد موعدا
سلامٌ على نجل الذبيحين أنه
لتكريمه خصّ الذبيحان بالفدا
سلامٌ على من نال آباؤه به
لدى الحرمِ المحجوج عزاً وسؤددا
سلام على من أبصرت أمه له
من النور ما أبدى لها الشام إذ بدا
سلام على من لاح برهان بعثه
فأتهم في أقصى البلاد وأنجدا
سلام على من رُجّ عند أوانه
لكسرى من الإيوان ما كان شيدا
سلام على من أُخمدت نار فارس
بنورٍ له نارَ الضلالةِ أخمدَا
سلام على بدرِ النبوة ذي السنا
فما كان أسنى في البدور وأسعدا
سلام على شمس الرّسالة أحمدٍ
فأيّ معال لم تُكنّ لأحمدا
سلامٌ على من أقسمَ الله باسمه
على شرف العهد الذي كان قُلدا
سلام على من خُطّ للصدق خاتماً
توسط كتفيه بنورس تجسداً
سلام على من كان إن نام طرفه
يوكِّل بالذكرى فؤاداً مسهّداً
سلام على من كان يبصر خلفه
كإبصاره ما نحوه اللَّحظ سددا
سلامٌ على من شاهد الغيب ظاهراً
تجلّيه مرآة تجلّ عن الصدى
سلامٌ على المعروف في الكتبِ نعته
ولكن أهل الكفر أخفوه حُسدا
سلامٌ على المرفوع في الذكر ذكره
لتتلى له الأمداح فيه وتُسردا
سلامٌ على الموصوف بالخلق الذي
بتعظيمه زِين الثناء ومجدا
سلامٌ على المُبدى لصفحةِ وجهه
خصالاً إذا اخطا امرؤ أو تعمدا
سلامٌ على المغضي حياءً وغيرةً
يخال من أغضاءِ المهابةِ ارمدا
سلامٌ على من كان بالرفق مرفقاً
وبالرفد في كل القضيات مرفدا
سلامٌ على من كان للخير باسطاً
كما بستطت يمناه للكافر الرَّدى
سلامٌ على من قيد الخلق حبه
ومن وجدَ الإحسان قيداً تقيدا
سلامٌ على المبعوث للناس رحمةً
لينقذَ من مهوى الردى من تورَّدا
سلامٌ على هذا الكريمِ فمالنا
يدٌ أن تُوازى من مكانَته يدا
سلامٌ على هذا الرَّحيم ورحمةٌ
تحييه بالإحسانِ مغنَّى ومُنتَدى
سلامٌ على قبرٍ يرد سلامنا
به جسدٌ قد أُلبسَ النورَ مجسدا
سلامٌ عليه والملائكُ حولَه
تحفُّ لتسليمٍ عليه تحفُّدا
سلامٌ عليه والإلهُ مراجعٌ
عن المصطفى يا صَفقةً لن تكَّسدا
سلامٌ عليه كم ثوى من كرامة
بملحَده الأسنى فقُدِّس ملحَدا
سلامٌ عليه إن ذكراهُ جَدَّدت
غرامي وما زالَ الغرامُ المجدَّدا
سلامٌ عليه إن نفسي مشوقةٌ
إليه فهل يدني اشتياقيَ أبعدا
سلامٌ عليه هل تتاحُ زيارة
توفِّى الوفاء الحق عهداً ومعهدا
سلامٌ عليه من لعيني برسمه
فيسفحُ ما يروي الصفيحُ المنضّدا
سلامٌ عليه من لوجهي بتربه
فأوطئه خداً بدَمعي مُخَدَّدا
سلامٌ عليه كيف لي بجوارِه
مصلىً لدى المحيا وفي الموت غرقدا
سلام عليه من مرجٍ لفضله
غدا راجياً منه شفاعَته غدا
سلام عليه ليس لي من وسيلة
سوى أنَّ لي حباً له وتوددا
سلام عليه كلما ساق سائقٌ
إلى ربعهِ خوضَ الرِّكابِ وما حدا
سلامٌ عليه ما توقد كوكبٌ
فخلناه من ذاك السراجِ توقدا
سلامٌ عليه ما تشهد باسمه
مناد بتوحيد الإله تشهَّدا
سلامٌ عليه والصلاة تَؤُمُّه
لتلقى جناباً في الجنان مُمهّدا
سلامٌ على آل النبي وصحبه
سلامٌ كما يُرضي النبي محمّدا
سلامٌ عليهم مثلُ طيبِ ثنائِهم
هو المسكُ أو للمسك من عرفه جدا
سلامٌ عليهم إن حُبَّ جميعهم
لتُلفيه في مرضاة أحمد أحمدا
اميرالبيـــــــان العربي
د فالح نصيف الحجية الكيلاني
العراق- ديالى - بلـــــــدروز
***********************


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق