السبت، 5 نوفمبر 2016

تاجِر حتى المَوت .. بقلم الأستاذ / سليم ميلودي

تاجِر حتى المَوت 
-
فِي بَلدَةٍ تُعَانِي العُزْلَةَ ، تَفتقِدُ إلَى أَدنَى مُسَمَيَاتِ الإنْسَانِيَةِ ، الأُميَةُ زَرعٌ شَابَ اخضِرارُهُ ، و الجَهْلُ وسِيْطٌ بَينَ التعَصُبِ و التخَلُفِ . فِي هاتِه البِطَاح ودُروبِ الطبِيعَة ، يقطُن تَاجِرُ قُمَاشٍ أَو بِالأحْرى بَائعُ الأكفَانِ، سَعِيد ربُ أسْرَةٍ ، عَانَت مِن بُخْلِهِ ، يُحكَى أنَهُ ميسُورالحالِ وَتِجَارتُهُ ناجِحَةٌ ، بِحكْمِ المَرض و صَقلِ الطَبِيعَةِ الوعْرِ ، كَان نَاجِحًا فِي تسْعِيْرِ الاحتضارِ و كَيْلِهِ 
زوجَةٌ و أربَعَةُ رجَالٍ مَع أُخْتَيْنِ تَزوجَتَا خَارجَ البَلدَةِ فِي صَفقَاتِ ربْحٍٍ اسْتَفادَ مِنْهَا التاجرُ كثِيْرًا ، لقَد عَلِمَت البَنَاتُ الجَمِيلاتُ ، صَاحبِاتُ الشَعْرِ الطَويلِ و القَدِ الرِيفِي المَمشوقِ ، بِأنَ والدَهُمَا لَم يَهتمَ لنتِيجَةِ هاتِهِ الجِيْزَةِ وفَاتَتْهُ كثِيْرٌ مِن الأُمورِ ، التَي سَتَعُود عَلَيْهمَا بخَيْبةٍ وضَنكِ العيْشِ المَرِير ِ.
بقِي فِي رُدْهَةِ البَيتِ أربعَةُ ذُكُور ، يُقَدِمُونَ العَونَ لسَعِيد دُونَ مُقَابلٍ ، إلاَ قُوتَهم اليومِيِ و لِبْسٍ يَرمِي بهِ أزواجُ أخَواتِهم فِي كُل زِيَارةٍ مَوسِمِيَة ، بعدَمَا تَكُون توسُلاَتِ الأبِ لِقلَةِ الحَاجَةِ قَد أَتَت أُكْلّهَا.
مَع مُرُورِ الأيَامِ ، بَدَأ سَعِيْدٌ يَتعَبُ ، تَدهوَرتْ صِحَتُهُ ، وشَاخَ عُودُ قُوتِهِ جبَروُتَ حُكمِهِ ، فِي لَيْلَةٍ مُمطِرةٍ ، يُجَامِعُ الرَعدّ فِيها الصَوتَ المُدوِيَ ، انْتَبَهتْ زوجَةُ التَاجِرِ أنَ بِهِ حُمَى ، جَسَدُهُ يَتصَبَبُ عَرقًا ، أخْبَرَت ابْنَها البِكرَ ، الذَي تشَاوَر معَ أشِقَائه ، فَقَرَروا أنْ يَحمِلوهُ إلى المدينَةِ لمعَاينةِ حَالَتِهِ ، حِينَ إخباره رفضَ ، و ادّعَى أَنَه بِخَيرٍ ، طَالبًا سُرّةَ نُقُودِهِ و مِفْتَاحَ دُكَانِه مِن زَوجَتِهِ ، أَخْفَاهُمَا تحْتَ وسِادَتِهِ ، كمَا أمَرَ أبْنَاءهُ بِالانصِرافِ للنَومِ ، فعَملُ الغدِ يَنْتَظِرُ .
انصَرفَ الجَميعْ وبَقَيَت الزوجَة مُرابِطَةً تَرقَبُ الأنْفَاسَ ، راحَ يُكَلِمْهَا فَتَلعثَمَ ، خَافتِ السَيدَةُ ، فأخبَرتْ أبْنَاءَها ، اجتمَعُوا حَذْو بَابِ الغُرفَةِ التَي أخّذ مِنْهَا قَطرُ المطَر جَانِبًا ، فِي حَدِيْثِهم ، تَسَاءلُوا كَيْفَ إذا مَاتَ هاتِهِ الليلةِ ؟ كَيفَ سَنتَصَرَفُ فِي الدفنِ و الكفَنِ ؟ لَم ينتبِهُوا لَهُ إلا وهُوَ يُكِلمُهُمْ ، باقٍ كَفَنٌ واحِدٌ فِي خِزانةِ الغُرفَةِ المجَاورِةِ ، سَأبِيعُهُ لَكُم بِألفَيْ دِيْنَارٍ ، نَظرَ كُل واحِدٍ لأخِيْهِ ، فَرُوا لإحضَارِ النقُودِ مِما جَمعُوا عَبرَ سِنِينِ اسْتِعْبادِهِمْ ، طلبَ سعِيدٌ مِنْ زَوجَتِهِ أن تَسْتلِم الألفيْ ديْنارٍ وإحضارها له ، كَانَ ذلكَ سَلّمَهَا مِفْتَاحَ الخِزانَةِ ، مادًا يدهُ لِيُخْفِي المالَ تحْتَ وسِادَتِه ، نطَقَ الابنُ الأكْبَر فِي خجَلٍ لِيَقُول ، تَاجِرٌ حَتَى المَوتِ ، شَهَقَ سَعِيدٌ نفَسَهُ الأخيرَ ، مَاتَ فِي حُضنِ مَالِهِ ، صَرخَتِ الزوجَةُ وا ويلاه .
-
سَلِيم عاشِقُ الحَرف



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق