سهر الشّباب
كان فرزي الوظيفيّ إلى مدرسة في قرية نائية على أطراف الصحراء بمثابة صدمة مؤلمة، لم تفلح كل الواسطات والرّشاوي لتغيير الفرز، ولأنّني مثلكم (ولو أنني أذكى منكم) فقد عزّيت نفسي بالحكمة القائلة إذا لم يكن ما تريد فأرد ما يكون!
عند وصولي للقرية، رحّب الجميع بي، وتأقلمت مع الحياة بسرعة بدعوات أمي.
ولأنّني أحب أن أترك بصمة في كل مكان أكون فيه، فقد بدأت بترميم وتنظيف المسجد الوحيد المهجور الذي بناه مدرس جاء قبلي منذ عشر سنوات، وقد هجروه بعد انتقاله إلى مكان آخر.
لم أكن أغادر بيتي المجاور للمدرسة إلا إلى المسجد، لشعوري بالغربة، إلا أنّ المختار كان يدعوني إلى السّهرة في مضافته كل يوم، يقول:
تفضّل أستاذ إلى السّهرة، ستجد كلّ الشّباب هناك ...
ذهبت بعد صلاة العشاء، كان الطّقس صحراويّا باردا جافّا، دخلت المضافة المعتمة المضاءة بسراج ذي زجاجة سوداء لم تنظف من السّنة الفائتة، وكان جوّ الغرفة ضبابيا لكثرة المدخّنين!
دعاني المختار للجلوس إلى جواره، قرب المدفأة وهو يضع فيها قطعة من جذع شجرة.
بدى خيالي على الجدار عملاقا أخذ يصغر باقترابي من مكان جلوسي حتّى صار بحجمي!
تأمّلت الوجوه المرحّبة ، كانوا جميعا من الكهول المدخّنين المصابين بالسّعال، المتّكئين على الوسائد الصّوفيّة الضّخمة، وقد لفّوا أجسادهم ب(الفراوي) و رؤوسهم بالأشمخة الحمراء.
دارت القهوة المرّة على الحضور، تبعها كأس من الشّاي الأسود كأنّه الزّيت المحروق! رمى لي أحدهم بكيس التّبغ، واستغرب كثيرا عندما قلت له: لا أدخّن!
كان حديثهم عن زراعة الشّعير، وولادة القطعان، وعندما نقلتهم إلى السّياسة، وتحدثت لهم عن آخر جراح الأمّة، قال أحدهم:
وما موقف جمال عبدالنّاصر من ذلك!؟
لم أقل لهم أنّه مات منذ عشرين سنة، بل قلت لهم:
كان موقفه صلبا، كمطّاطة سروالي!
ساد صمت قصير، قال المختار كلمات حول برودة الشّتاء، تبعها تعليقات مؤكِّدة مقتضبة من الحضورة، ثمّ أخذتْ أصواتهم تختفي واحدا بعد آخر، ويحلّ محلّها شخير مهذّب!
نظرت إلى المختار، وقد وضع يده على على خدّه وغطّ في نوم عميق هو الآخر! جالت عيوني عليهم، كانوا جميعا نائمين كأهل الكهف!
فغادرتُ المضافة عائدا إلى بيتي لأتابع السّهرة مع المنفلوطي!
كان فرزي الوظيفيّ إلى مدرسة في قرية نائية على أطراف الصحراء بمثابة صدمة مؤلمة، لم تفلح كل الواسطات والرّشاوي لتغيير الفرز، ولأنّني مثلكم (ولو أنني أذكى منكم) فقد عزّيت نفسي بالحكمة القائلة إذا لم يكن ما تريد فأرد ما يكون!
عند وصولي للقرية، رحّب الجميع بي، وتأقلمت مع الحياة بسرعة بدعوات أمي.
ولأنّني أحب أن أترك بصمة في كل مكان أكون فيه، فقد بدأت بترميم وتنظيف المسجد الوحيد المهجور الذي بناه مدرس جاء قبلي منذ عشر سنوات، وقد هجروه بعد انتقاله إلى مكان آخر.
لم أكن أغادر بيتي المجاور للمدرسة إلا إلى المسجد، لشعوري بالغربة، إلا أنّ المختار كان يدعوني إلى السّهرة في مضافته كل يوم، يقول:
تفضّل أستاذ إلى السّهرة، ستجد كلّ الشّباب هناك ...
ذهبت بعد صلاة العشاء، كان الطّقس صحراويّا باردا جافّا، دخلت المضافة المعتمة المضاءة بسراج ذي زجاجة سوداء لم تنظف من السّنة الفائتة، وكان جوّ الغرفة ضبابيا لكثرة المدخّنين!
دعاني المختار للجلوس إلى جواره، قرب المدفأة وهو يضع فيها قطعة من جذع شجرة.
بدى خيالي على الجدار عملاقا أخذ يصغر باقترابي من مكان جلوسي حتّى صار بحجمي!
تأمّلت الوجوه المرحّبة ، كانوا جميعا من الكهول المدخّنين المصابين بالسّعال، المتّكئين على الوسائد الصّوفيّة الضّخمة، وقد لفّوا أجسادهم ب(الفراوي) و رؤوسهم بالأشمخة الحمراء.
دارت القهوة المرّة على الحضور، تبعها كأس من الشّاي الأسود كأنّه الزّيت المحروق! رمى لي أحدهم بكيس التّبغ، واستغرب كثيرا عندما قلت له: لا أدخّن!
كان حديثهم عن زراعة الشّعير، وولادة القطعان، وعندما نقلتهم إلى السّياسة، وتحدثت لهم عن آخر جراح الأمّة، قال أحدهم:
وما موقف جمال عبدالنّاصر من ذلك!؟
لم أقل لهم أنّه مات منذ عشرين سنة، بل قلت لهم:
كان موقفه صلبا، كمطّاطة سروالي!
ساد صمت قصير، قال المختار كلمات حول برودة الشّتاء، تبعها تعليقات مؤكِّدة مقتضبة من الحضورة، ثمّ أخذتْ أصواتهم تختفي واحدا بعد آخر، ويحلّ محلّها شخير مهذّب!
نظرت إلى المختار، وقد وضع يده على على خدّه وغطّ في نوم عميق هو الآخر! جالت عيوني عليهم، كانوا جميعا نائمين كأهل الكهف!
فغادرتُ المضافة عائدا إلى بيتي لأتابع السّهرة مع المنفلوطي!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق