الأحد، 16 أكتوبر 2016

موسوعة شعراء العربية .. بقلم د. فالح الكيلاني

موسوعة شعراء العربية
المجلد السادس\ الجزء الثاني
شعراء العربية في الاندلس
بقلم د فالح الكيلاني
( الشاعر ابن عبدون الفهري )
هو أبو محمّد عبد المجيد وقيل عبد الحميد بن عبدون الفهري اليابري الاندلسي وعرف ب(ابن عبدون ) .و نسب إلى جده لأمه عبد المجيد بن عبد الله بن عبدون الفهري الأندلسي اليابري النحوي الشاعر المفلق .
ولد بمدينة (يابرة ) من أعمال بطليوس بغرب الأندلس وهي اليوم من مدن البرتغال سنة \430هجرية - أو قبل ذلك بقليل
كانت ( يابرة ) تزخر بالعلماء والأدباء فولد إبن عبدون ونشأ في جو أدبي علمي يحيط به وقد كان لهذا الجو أثره في تكوينه الثقافي. فقد درس على ايدي علمائها مثل أبي الحجاج الأعلم عاصم بن أيوب وأبي مروان بن سراج وقد كانت( يابرة) على عهد أبن عبدون موطنا لكثير من العلماء والأدباء من بينهم أبو بكر عبد الله بن طلحة اليابري النحوي الذي ارتحل إلى أشبيلية فروى عن أبي الوليد الباجي، كما روى عن جماعة من علماء (بطليوس) من بينهم أبو بكر بن أيوب وأبو الحزم بن عليه وأبو عبد الله بن مزاحم، ومن علماء( يابرة) كذلك خلف بن فتح بن نادر الأديب اللغوي اليابري الذي كان قد ارتحل إلى قرطبة وروى عن أبي محمد عبد الله بن سعيد ومنهم كذلك شعيب بن عيسى بن علي بن جابر الأديب المقرئ الذي روى عن خاله خلف بن شعيب وعن أبي بكر محمد بن الفرج البطليوسي وعن أبي بكر بن عباس وعبد الله بن طلحة حتى اصبح بحرا في الاداب والثقافة .
عمل كاتبا لديوان الانشاء للامير ( عمر ) المتوكل بن الافطس صاحب ( لشبونة ) و(بطليوس) ثم تصدر للوزارة وكاتب السر لأمير ( يابرة ) سنة\473 هجرية .
وقيل لما استوحش ( ابن عبدون) من (المنصور بن الافطس) لحق ب(اشبيلية ) و كتب إلى ( احمد بن زيدون) هذه الأبيات:
لك الخير من مثري اليدين من العلى
إذا تربت أيدي الندى والتطول
بما كان بين الماضيين من الذي
إليه اجتهادي أو إليه معولي
فلم تتمسك بالمؤيد لي يد
وقد زلقت رجلي عن المتوكل
وعاش في بلاط ( المعتمد بن عباد ) في ( اشبيلية ) فترة لم تكن طويلة و مدحه فيها بكثير من القصائد ومن احداها هذه الابيات يقول :
إِنَّ المَمالِكَ وَالسُيوفُ شُهودُ
لَكُم إِماءٌ وَالمُلوكُ عَبيدُ
شامَتكُمُ في المَكرُماتِ عَزائِمٌ
جارٍ عَلى أَحكامِها التَأييدُ
يا رَوضَةً وَصف النَسيمُ أَريجَها
رِفّي عَلَيَّ فَإِنَّني غِرّيدُ
ما لي أُرَفرِفُ حَولَ دَوحِكَ ضاحِياً
أَصِفُ الأوارَ وَماؤُها مَورودُ
لا ذَنبَ لِلآمالِ إِلّا أَنَّها
شُهُبٌ لَها مِن أَن تَراك سعودُ
رَكِبَت إِلَيك جَناحَ كُلِّ عَزيمَةٍ
قربَ الرَدى مِن خَلفِها مَزؤودُ
و لما قتل الامير وولداه بيد ( ابن تاشفين) المتسلط على ملوك الطوائف رثاه بقصيدة طويلة وهذه الابيات منها فيقول :
الدهر يفجع بعد العين بالأثر
فما البكاء على الأشباح والصورِ
انهاك انهاك لا آلوك معذر
عن نوبة بين ناب الّليث والظفرِ
فلا يغرنك من دنياك نومتها
فما صناعة عينيها سوى السهر
وأجزرت سيف أشقاها أبا حسن
وأمكنت من حسين راحتي شمرِ
وليتها اذ فدت عمراً بخارجة
فدت علياً بمن شاءت من البشرِ
وفي ابن هند وفي ابن المصطفى حسن
أتت بمعضلة الألباب والفكرِ
فبعضنا قائل ما اغتاله أحد
وبعضنا ساكت لم يأت من حصر
وأردت ابن زياد بالحسين ولم
يبؤ بشسع له قد طاف أو ظفر
ولما سقطت دولة بني الأفطس سنة\ 485 هجرية ساءت حالته المالية وعضه الفقر بنابه فقال في ذلك :
رُوَيدَكَ أَيُّها الدَهرُ الخَؤونُ
سَتَأكُلُنا وَإِيّاكَ المَنونُ
تعلّلنا الأَماني وَهيَ زورٌ
وَتَخدَعُنا اللَيالي وَهيَ خونُ
وَكَم غَرَّت بِزبرجِها قُرونا
فَما أَبقَت وَلا بَقَتِ القُرونُ
وَأَبقَتني يَدُ الأَيّامِ فَرداً
كَما غَدَرَت بِيُسراها اليَمينُ
وَهَل يبقى عَلى غِيَرِ اللَيالي
شَفيقٌ أَو شَقيقٌ أَو قَرينُ
ثم التحق بخدمة ( سير ابن أبي بكر) أمير جيوش المرابطين وفي سنة \ 500 هجرية صار كاتب سر بلاط (علي بن يوسف ) المرابطي .
توفي الشاعر ابن عبدون في( يابرة) مسقط راسه سنة \ 529 هجرية ، وقيل في رواية اخرى توفي سنة \520 هجرية .
أبو محمد بن عبدون من الشخصيات الفذة النادرة في الأندلس
بل من العبقريات الفريدة التي يزدهي بها الأندلس فقد اجتمعت لابن عبدون مواهب متعددة وتوافرت عنده إمكانيات علمية وثقافية فقد كان لغويا فقيها أديبا شاعرا كاتبا، أو بعبارة أخرى ملما بكثير من العلوم المعروفة في عصره، وكان واسع الاطلاع كثير الحفظ صافي القريحة متوقد الذكاء صائب الرأي قوي الحجة ناقدا متبصرا ذا دراية واسعة بأيام العرب وأخبارها، وعالما بقديم الشعر العربي وحديثه بوقته وقد ترك وراءه من شعر ونثر.
ابن عبدون قال في اغلب الفنون الشعرية وخاصة المدح والرثاء والوصف والحكمة والغزل ومن شعره في الغزل يقول :
قَمَرٌ وَأَثوابُ الظَلامِ تظِلُّهُ
يَخفى إِذا ما الصُبحُ أَحدَقَ حاجبه
وقال متغزلا ايضا :
سَأَلتُ الحُروفَ الزائِدات عَنِ اِسمِها
فَقالَت وَلَم تَكذِب أَمانٌ وَتَسهيلُ
واختم بهذه الابيات الرائعة من شعر ابن عبدون :
ساروا وَمِسكُ الدياجي غَيرُ مَنهوبِ
وَطُرَّةُ الشَرقِ غُفلٌ دونَ تَذهيبُ
عَلى رُبىً لَم يَزَل شادي الذُبابِ بِها
يُلهي بِآنَقِ مَلفوظٍ وَمَضروبِ
كَالغيدِ في قُبَبِ الأَزهارِ أَذرُعُهُ
قامَت لَهُ بِالمَثاني وَالمَضاريبِ
وَالغَيمُ تَنثُرُ مِنهُ راحَةً خُضِبَت
بِالبَرقِ فَوقِيَ درّاً غَيرَ مَثقوبِ
فَرُحتُ أَستَخبِرُ الأَنفاسَ لا الطُسُمَ ال
أَدراسَ عَن مَوعِدٍ في الحَيِّ مَكذوبِ
وَأَشتَفي بِسُؤالِ الريحِ مُخبِرَة
عَنهُم وَلَو أَنَّها تَهفو بِتَأنيبي
هَيهاتَ لا أَبتَغي مِنكُم هَوىً بِهَوى
حَسبي أَكونُ مُحِبّاً غَيرَ مَحبوبِ
فَما أراح لِذكرى غَيرِ عالِيَةٍ
وَلا أَلَذَّ بِحُبٍّ دونَ تَعذيبِ
وَلا أُصالِحُ أَيّامي عَلى دَخَنٍ
لَيسَ النِفاقُ إِلى خُلقي بِمَنسوبِ
يا دَهرُ إِن توسِع الأَحرارَ مَظلَمَةً
فَاِستَثنني إِن غيلي غَيرُ مَقروبِ
مَهلاً فَدرعُ حُوَيلي غَيرُ مُحتَنَةٍ
عَجَباً وَسَيفُ عَزيمي غَيرُ مَقروبِ
وَلا تَخَل أَنَّني أَلقاكَ مُنفَرِداً
إِنَّ القَناعَةَ جَيشٌ غَيرُ مَغلوبُ
ما كُلُّ من سيمَ خَسفاً عافَ مَورِدَهُ
إِنَّ الإِباءَ لَظَهرٌ غَيرُ مَركوبِ
وَكَم تَأَزَّرَتِ الغيطانُ لي كَرَماً
وَاِستَنشَقَتنِيَ أَنفاسُ الشَناخيبِ
أَمشي البرازَ وَلا أَعفي بِهِ أَثري
حَسبُ المُريبِ رُكوبُ القاعِ ذي اللّوبِ
وَرُبَّ عاوٍ عَلى إِثري بُليتُ بِهِ
بَلاءَ لَيثِ الشَرى في اللَيلِ بِالذيبِ
أسكنتُ عَنهُ وَلو لَم يَزدَجِر غَضَبي
وَشِمتُ صارِمَ تَأنيبي وَتَثريبي
سَوَّيتُ أَشباحَ أَلفاظي وَقَدَّسَ أَر
واحَ المَعاني لَها نَقدي وَتَهذيبي
أوانِس أَذِنَت لي وَالنَوى قَذَفٌ
عَلى عُلا كُلِّ صَعبِ الإِذنِ مَحجوبُ
سَما بِذِكري إِلى أَسماعِهِم أَدَبي
مَسرى النَسيمِ إِلى الآنافِ بِالطيبِ
وَطارِبي أُذنه في أَفُقِ حِرصِهمُ
عَلى قَوادِمِ تَأهيلي وَتَرحيبي
لا يَنظُرونَ إِلى شَخصي كَما نَظَرَت
بيضُ الخُدورِ إِلى القَترا مِنَ الشيبِ
مِن كُلِّ مُطلِقِ قَيدِ الحَربِ عَن لَجَبٍ
قَيدِ الأسودِ عَلى طَيرِ السَراحيبِ
يَمُرُّ مَرَّ الغَمامِ الجونِ يتبعُ مِن
لَخمٍ أَباريقَ تَرغيبٍ وَتَرهيبِ
امير البيـــــــــــــان العربي
د فالح نصيف الحجية الكيلاني
العراق - ديالى - بلـــــــد روز
******************************


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق