السبت، 3 سبتمبر 2016

كوابيس بقلم الدكتور عبد الصبور الحسن



كوابيس
ما أزال أؤمن أن هذه الكوابيس المرعبة التي تجتاحني ليلا، ماهي إلا عقوبة لما تقترفه جوارحي من آثام خلال النّهار، ربما جاء إيماني هذا من قول أمّي لنا ونحن نضع رؤسنا على الوسائد صِغارا: 
يا أولاد، لكي تناموا ملء عيونكم ليلا، لا تقترفوا ذنوبا في النّهار! 
ولكن كيف لي ألا أقترف ذنوبا !؟ وهل أنا ملاك !؟ 
لم أكن أصغي لنصائح أّمي اليوميّة، لذلك كنت أرى كوابيس دائمة، ولكنّها كوابيس على قياسي آنذاك، كأن يُقبض عليّ وأنا أسرق أو أكسر شيئا ما ...!
ولكنّها اليوم تختلف! فقد صارت أكثر رعبا وأطول مدّة وأشدّ وطأة، حتى أن زوجتي أيقظتني غير مرّة والعرق يتصبّب منّي وأنا أصيح أو ألهث! وهي تناولني كأس الماء وتقرأ عليّ المعوّذات!
اللّيلة الماضية مثلا، رأيت فيما يرى النّائم أنّني ذهبت إلى الحفرة حيث طمرتُ بها الثّلاث مئة دولار التي أرسلها لي صديقي (أبو أدهم) كمساعدة، مع خاتم زوجتي الذّهبي، آخر ما أبقته الحرب لنا، كنت أخبّئهم ليوم كالح السّواد، فوجدتُ الحفرة فارغة كقبر مسروق، إلى جانبها أكياس النّايلون الممزّقة!
واللّيلة التي قبلها، رأيت أنّني خرجت من المسجد متأثرا من صلاة خاشعة كنت فيها قريبا من الله، لأرى أن حذائي الجديد قد سُرق، فأطلقت لساني بالسّباب والشّتائم قليلة الأدب على السّارق، فانهال عليّ المصلّون ضربا وركلا وكأنّني أنا السّارق!
والليلة التي قبلها، رأيت أنني دخلت إلى المشفى الميدانيّ لأعود مريضا، وعند خروجي وجدت دراجتي النّارية (اليابانيّة) قد سُرقت وهي آخر ما تبقّى لي من وسائل النّقل، فصرت أركض على غير هدى في كلّ اتّجاه بلا فائدة، فجلست على الرّصيف أبكي عليها (عندما صحوت كانت زوجتي تناولني المحارم لأجفّف دموعي).
وفي ليلة رأيت أن جيوش المغول قد هجموا على بلدتنا فأردت الهرب لأنّني جبان، ركبت درّاجتي لأجد إطارها مثقوبا، والدبّابة تقترب منّي حتّى مرّ جنزيرها من فوق الدّراجة فطحنها طحنا، ثم أخذَتْ تلاحقني من مكان إلى مكان لتنال منّي!
وذات ليلة، رأيت شخصا عميلا للأعداء، أخذ يترفّع في المراتب من بائع خضار بسيط، حتّى صار قاضياً، ثم زعيما وطنيّا، جمعنا في مسجد البلدة وأخذ يلقي علينا خطبة عن الأمانة والإخلاص والوطنية والحرّية والعدالة والمساواة، وأنا أريد أن أصرخ في الناس: دعكم من هذا المنافق الكاذب الدّجال، ولكن صوتي لم يخرج من فمي!
كلّ هذه الكوابيس المرعبة لا تعادل لحظة يَقَظَة أثناء انقضاض الطّائرة علينا ونحن نيام!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق