" صرخة على الشاطئ " ؟؟!!
قصة قصيرة
بقلم / سليم عوض عيشان ( علاونة )
===================
تنويه:
أحداث وشخوص النص حقيقية حدثت على أرض الواقع ولا فضل للكاتب على النص اللهم سوى الصياغة الأدبية فحسب ..
إهداء متواضع :
إلى بطلة النص الحقيقية / الطفلة هدى أبو غالية ...
وإلى كل الأطفال ذوي الشهداء .. وإلى كل الشهداء ... في كل مكان ...
( الكاتب )
---------------------------
" صرخة على الشاطئ" ؟؟!!
... كعادتي .. انفردت بالمجلس وحيداً على الشاطئ .. بعد أن تركت الجميع وهم يثرثرون ... يتضاحكون .. يتمازحون .. يمرحون .. ويسبحون .
" يا با ... يا با .. يا با .... "
صراخ مدوٍ عاصف ينطلق من حنجرة الطفلة المكلومة وهي تجري على رمال الشاطئ بلا وعي .. كان النداء بشكل هستيري ... جنوني .. تقشعر له الأبدان والأنفس والأرواح ... الطفلة تعدو وتعدو على رمال الشاطئ وهي تصرخ وتولول :
" يا با ... يا با .. يا با .... "
الطفلة تجري في كل مكان لا تمل العدو ولا تمل الصياح .. ثمة جثث وأشلاءً متناثرة من حولها على الشاطئ ..
جثث أفراد أسرتها .. أمها وإخوتها المتناثرة على الرمال والشاطئ .. كان المشهد أقسى من أن تتحمله طفلة وأبشع من أن يستوعبه عقل وفكر ولب .
أصيبت الطفلة بالهستيريا وما يشبه الجنون .. ارتفع صراخها وعويلها فرددته أمواج البحر ونجوم السماء :
" يا با ... يا با .. يا با .... "
راحت تجري هنا وهناك تبحث عن أبيها الذي لم تعثر على جثته أو أشلاءه بين الجثث والأشلاء المتناثرة ..
لم تلبث أن توقفت عن الجري والصراخ .. نظرت إلى الجثة المسجاة على رمال الشاطئ بلا حراك .. ركزت البصر فيها جيداً .. لم تلبث أن انطلقت بالصراخ والبكاء والعويل من جديد :
" يا با ... يا با .. يا با .... "
تأكدت الطفلة تماماً بأن الجثة هي جثة أبيها .. وبأن قوة القذائف الصاروخية المنطلقة من السفن الحربية للعدو قد طوحت بجثته إلى البعيد بعد أن قضت على بقية أفراد الأسرة ومزقتهم إرباً إرباً .
لم تلبث الطفلة أن لمحتني عن كثب وأنا أجلس على الشاطئ أراقب المشهد وأتابع الحدث الرهيب .. صمتت للحظات .. توقفت عن العدو والصراخ ...
راحت تقترب مني رويداً رويداً .. نظرت نحوي بعيون ملتهبة كالجمر ... نظراتها النارية أدخلت الرعب في قلبي ونفسي .. فكتمت أنفاسي ..
راحت الطفلة تقترب مني شيئا فشيئاً ... صرخت بأعلى صوتها وهي تركز بصرها نحوي بحدة:
- ماذا تفعل هنا يا هذا بالله عليك ؟؟!! .. يا لك من رجل متخاذل .. ألم يهزك المشهد ؟؟!! المشهد الرهيب للموت ؟؟!! ألم تدرك بعد حجم المأساة ؟؟!! .. ألم تهز مشاعرك مشاهد هذه الجثث والأشلاء المتناثرة ؟؟!! .. يبدو بأنك رجل بليد الحس والشعور .. متبلد الذهن والفكر أيضاً ... لماذا أراك صامتاً هكذا كالأبكم ؟! .. لما أراك تنظر نحوي هكذا بغباء كالأبله ؟! .. ألم تعرفني بعد يا هذا ؟؟!! ألم تسمع بي من قبل ؟! .. العالم كله عرفني وسمعني وسمع صراخي وعويلي .. ألا تعرفني يا هذا ؟؟!! .. يا من تدعي بأنك الكاتب والروائي والقاص .. يا من تدعي بأنك صاحب القلم الملتزم والفكر الأدبي والحس الوطني ؟؟!! .. ألم تسمع باسمي يا هذا ؟؟!! .. أنا هدى .. نعم .. أنا هدى أبو غالية .. التي رآها الملايين .. التي شاهدها الملايين .. والتي سمعها وسمع صراخها الملايين .. والتي كتب عنها الملايين .. إلا أنت ؟؟!! .. إلا أنت يا من تدعي بأنك كاتب وأديب ملتزم .. تكتب عن هموم وطنك .. وعن أبناء وطنك .. وعن مآسي شعبك .. وعن قضايا أبناء وطنك وشعبك ... إن كنت كذلك وكما تدعي .. فلماذا لم تكتب عني طيلة هذا الوقت بالله عليك ؟؟!! .. فأنا هدي .. هدى أبو غالية يا هذا .. لقد قمت بدورك بالكتابة عن المجانين والمشردين .. البلهاء والساقطين .. الحمقى والتافهين .. لقد كتبت عن الوطن وغير الوطن .. يا من تدعي الوطنية والالتزام ؟؟!! فلماذا لم تكتب عني يا هذا ؟؟!! لماذا لم تكتب عما حدث لي ؟؟!! أم تراك بت عاجزاً عن الكتابة عني وعن مصابي ؟؟!! أم تراك قد تبلد فيك الفكر وتبلدت بك المشاعر ؟؟!!.. ها أنت تلوذ بالصمت والفرار من الجميع .. لتأتي إلى هذا المكان لتنام فيه قرير العين هانيها .. ولم تدرك بأن هذا المكان ذاته هو نفس المكان الذي قضت فيه عائلتي نحبها وراحوا شهداء الغطرسة والعنجيهة للعدو ؟؟!! .. فهنا كانت ترقد جثة أمي .. وهنا كانت أشلاء إخوتي .. وهناك كانت تتناثر أشلاء إخواني .. ومكانك تماماً كانت ترقد جثة أبي ؟؟!!. يا لك من رجل غريب فعلاً .. فها أنت تأتي إلى هنا لكي تنام بهدوء وسكينة .. في ذات المكان الذي نام فيه أبي وإلى الأبد .. نم يا سيدي ... نم كما تشاء .. كما تريد .. نم يا هذا هانئاً مطمئناً .. فمثلك لا يستحق الحياة .. ولا يستحق اللقب بأن يكون أديبا .. كاتباً ... فمعذرة أني أقلقت مضجعك ... فنم يا هذا .. نم .. نم ..
" يا با ... يا با .. يا با .... "
.. الصراخ المدوي كان يتلاشى رويداً رويداً .. صوت الطفلة يبتعد ويبتعد شيئاً فشيئاً .. إلى أن يتلاشى في الفضاء .. في السماء .. في البحر ..
" يا با ... يا با .. يا با .... "
صرخات لم تطلقها الطفلة .. بل كنت أنا الذي أطلقها صاخبة مدوية .. تتردد في جنبات الأرض وأرجاء السماء وأمواج البحر ..
.. هرول الجميع نحوي بسرعة حيث كنت أجلس في المكان البعيد عنهم المنزوي .. بعد أن سمعوا صراخي المدوي المجلجل :
" يا با ... يا با .. يا با .... "
اقترب الجميع مني أكثر فأكثر .. راحوا يهزوني بعنف وقوة .. وقد أصبت بنوبة من الهستيريا والجنون .. وأنا ما زلت أصرخ بصوت مجلجل :
" يا با ... يا با .. يا با .... "
.. عن بعد .. كان صوت الطفلة يأتي خافتاً في البداية .. ثم يرتفع .. ويرتفع .. ويجلجل في كل الأنحاء .. ليتحد في النهاية مع صوتي المدوي :
" يا با ... يا با .. يا با .... "
(( انتهى النص .. وما زال صوت الطفلة / هدى أبو غالية يدوي في أرجاء السماء وأنحاء الأرض ومع أمواج البحر .. بصخب :
" يا با ... يا با .. يا با .... " ))
قصة قصيرة
بقلم / سليم عوض عيشان ( علاونة )
===================
تنويه:
أحداث وشخوص النص حقيقية حدثت على أرض الواقع ولا فضل للكاتب على النص اللهم سوى الصياغة الأدبية فحسب ..
إهداء متواضع :
إلى بطلة النص الحقيقية / الطفلة هدى أبو غالية ...
وإلى كل الأطفال ذوي الشهداء .. وإلى كل الشهداء ... في كل مكان ...
( الكاتب )
---------------------------
" صرخة على الشاطئ" ؟؟!!
... كعادتي .. انفردت بالمجلس وحيداً على الشاطئ .. بعد أن تركت الجميع وهم يثرثرون ... يتضاحكون .. يتمازحون .. يمرحون .. ويسبحون .
" يا با ... يا با .. يا با .... "
صراخ مدوٍ عاصف ينطلق من حنجرة الطفلة المكلومة وهي تجري على رمال الشاطئ بلا وعي .. كان النداء بشكل هستيري ... جنوني .. تقشعر له الأبدان والأنفس والأرواح ... الطفلة تعدو وتعدو على رمال الشاطئ وهي تصرخ وتولول :
" يا با ... يا با .. يا با .... "
الطفلة تجري في كل مكان لا تمل العدو ولا تمل الصياح .. ثمة جثث وأشلاءً متناثرة من حولها على الشاطئ ..
جثث أفراد أسرتها .. أمها وإخوتها المتناثرة على الرمال والشاطئ .. كان المشهد أقسى من أن تتحمله طفلة وأبشع من أن يستوعبه عقل وفكر ولب .
أصيبت الطفلة بالهستيريا وما يشبه الجنون .. ارتفع صراخها وعويلها فرددته أمواج البحر ونجوم السماء :
" يا با ... يا با .. يا با .... "
راحت تجري هنا وهناك تبحث عن أبيها الذي لم تعثر على جثته أو أشلاءه بين الجثث والأشلاء المتناثرة ..
لم تلبث أن توقفت عن الجري والصراخ .. نظرت إلى الجثة المسجاة على رمال الشاطئ بلا حراك .. ركزت البصر فيها جيداً .. لم تلبث أن انطلقت بالصراخ والبكاء والعويل من جديد :
" يا با ... يا با .. يا با .... "
تأكدت الطفلة تماماً بأن الجثة هي جثة أبيها .. وبأن قوة القذائف الصاروخية المنطلقة من السفن الحربية للعدو قد طوحت بجثته إلى البعيد بعد أن قضت على بقية أفراد الأسرة ومزقتهم إرباً إرباً .
لم تلبث الطفلة أن لمحتني عن كثب وأنا أجلس على الشاطئ أراقب المشهد وأتابع الحدث الرهيب .. صمتت للحظات .. توقفت عن العدو والصراخ ...
راحت تقترب مني رويداً رويداً .. نظرت نحوي بعيون ملتهبة كالجمر ... نظراتها النارية أدخلت الرعب في قلبي ونفسي .. فكتمت أنفاسي ..
راحت الطفلة تقترب مني شيئا فشيئاً ... صرخت بأعلى صوتها وهي تركز بصرها نحوي بحدة:
- ماذا تفعل هنا يا هذا بالله عليك ؟؟!! .. يا لك من رجل متخاذل .. ألم يهزك المشهد ؟؟!! المشهد الرهيب للموت ؟؟!! ألم تدرك بعد حجم المأساة ؟؟!! .. ألم تهز مشاعرك مشاهد هذه الجثث والأشلاء المتناثرة ؟؟!! .. يبدو بأنك رجل بليد الحس والشعور .. متبلد الذهن والفكر أيضاً ... لماذا أراك صامتاً هكذا كالأبكم ؟! .. لما أراك تنظر نحوي هكذا بغباء كالأبله ؟! .. ألم تعرفني بعد يا هذا ؟؟!! ألم تسمع بي من قبل ؟! .. العالم كله عرفني وسمعني وسمع صراخي وعويلي .. ألا تعرفني يا هذا ؟؟!! .. يا من تدعي بأنك الكاتب والروائي والقاص .. يا من تدعي بأنك صاحب القلم الملتزم والفكر الأدبي والحس الوطني ؟؟!! .. ألم تسمع باسمي يا هذا ؟؟!! .. أنا هدى .. نعم .. أنا هدى أبو غالية .. التي رآها الملايين .. التي شاهدها الملايين .. والتي سمعها وسمع صراخها الملايين .. والتي كتب عنها الملايين .. إلا أنت ؟؟!! .. إلا أنت يا من تدعي بأنك كاتب وأديب ملتزم .. تكتب عن هموم وطنك .. وعن أبناء وطنك .. وعن مآسي شعبك .. وعن قضايا أبناء وطنك وشعبك ... إن كنت كذلك وكما تدعي .. فلماذا لم تكتب عني طيلة هذا الوقت بالله عليك ؟؟!! .. فأنا هدي .. هدى أبو غالية يا هذا .. لقد قمت بدورك بالكتابة عن المجانين والمشردين .. البلهاء والساقطين .. الحمقى والتافهين .. لقد كتبت عن الوطن وغير الوطن .. يا من تدعي الوطنية والالتزام ؟؟!! فلماذا لم تكتب عني يا هذا ؟؟!! لماذا لم تكتب عما حدث لي ؟؟!! أم تراك بت عاجزاً عن الكتابة عني وعن مصابي ؟؟!! أم تراك قد تبلد فيك الفكر وتبلدت بك المشاعر ؟؟!!.. ها أنت تلوذ بالصمت والفرار من الجميع .. لتأتي إلى هذا المكان لتنام فيه قرير العين هانيها .. ولم تدرك بأن هذا المكان ذاته هو نفس المكان الذي قضت فيه عائلتي نحبها وراحوا شهداء الغطرسة والعنجيهة للعدو ؟؟!! .. فهنا كانت ترقد جثة أمي .. وهنا كانت أشلاء إخوتي .. وهناك كانت تتناثر أشلاء إخواني .. ومكانك تماماً كانت ترقد جثة أبي ؟؟!!. يا لك من رجل غريب فعلاً .. فها أنت تأتي إلى هنا لكي تنام بهدوء وسكينة .. في ذات المكان الذي نام فيه أبي وإلى الأبد .. نم يا سيدي ... نم كما تشاء .. كما تريد .. نم يا هذا هانئاً مطمئناً .. فمثلك لا يستحق الحياة .. ولا يستحق اللقب بأن يكون أديبا .. كاتباً ... فمعذرة أني أقلقت مضجعك ... فنم يا هذا .. نم .. نم ..
" يا با ... يا با .. يا با .... "
.. الصراخ المدوي كان يتلاشى رويداً رويداً .. صوت الطفلة يبتعد ويبتعد شيئاً فشيئاً .. إلى أن يتلاشى في الفضاء .. في السماء .. في البحر ..
" يا با ... يا با .. يا با .... "
صرخات لم تطلقها الطفلة .. بل كنت أنا الذي أطلقها صاخبة مدوية .. تتردد في جنبات الأرض وأرجاء السماء وأمواج البحر ..
.. هرول الجميع نحوي بسرعة حيث كنت أجلس في المكان البعيد عنهم المنزوي .. بعد أن سمعوا صراخي المدوي المجلجل :
" يا با ... يا با .. يا با .... "
اقترب الجميع مني أكثر فأكثر .. راحوا يهزوني بعنف وقوة .. وقد أصبت بنوبة من الهستيريا والجنون .. وأنا ما زلت أصرخ بصوت مجلجل :
" يا با ... يا با .. يا با .... "
.. عن بعد .. كان صوت الطفلة يأتي خافتاً في البداية .. ثم يرتفع .. ويرتفع .. ويجلجل في كل الأنحاء .. ليتحد في النهاية مع صوتي المدوي :
" يا با ... يا با .. يا با .... "
(( انتهى النص .. وما زال صوت الطفلة / هدى أبو غالية يدوي في أرجاء السماء وأنحاء الأرض ومع أمواج البحر .. بصخب :
" يا با ... يا با .. يا با .... " ))
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق