الأربعاء، 28 سبتمبر 2016

موسوعة شعراء العربية المجلد السادس - الجزء الثاني شعراء العربية في الاندلس بقلم د فالح الكيلاني ( الشاعرابن سارة البكري ) البكري



موسوعة شعراء العربية
المجلد السادس - الجزء الثاني
شعراء العربية في الاندلس
بقلم د فالح الكيلاني
( الشاعرابن سارة البكري ) البكري
هو أبو محمد عبد الله بن محمد بن سارة البكري نسبة الى قبيلة ( بكر ) العربية (الشنتريني) نسبة الى بلدة ( شنترين ) وفي رواية اخرى هو ( ابو العباس) . وقيل (ابن صارة ) وقيل ( ابن جارة ) كما ورد ببعض المصادر .
ولد في العقد الرابع من القرن الخامس الهجري في بلدة ( شنترين ) الاندلسية . وفي رواية اخرى في العقد الخامس من القرن الخامس ولم تذكر سنة ولادته انما اثبته مؤرخوا الادب اعتمادا على ما جا ء بشعره اذ يقول :
و لي عصا عن طريق الذم أحمدها
بها أقدم في تأخيرها قدمي
كأنها و هي في كفي أهش بها
على ثمانين عاما لا على غنمي
او قوله :
أي عذر يكون لي، أي عذر
لابن سبعين مولع بالصبابة
وهو ماء لم تبـــق منه الليالـــــي
في إنــــــاء الحيــــــاة إلا صبابة
تعلم في مدينته (شنترين) تعليمه الاولي ثم انتقل الى ( اشبيلية ) فاخذ حظا وافرا في الادب والثقافة الشعرية وكانت الثقافة الاندلسية بما فيها مدينة ( اشبيلية ) في أوج عظمتها وازدهارها وفي شتى فروعها المختلفة وفي كل عواصم الاندلس ومدنه الكبيرة .
عاش ابن سارة في ظل فترتي الطوائف و المرابطين وظهر في شعره تأثره بالظروف و الأوضاع السياسية و الاجتماعية التي سادت البلاد في الفترتين اعلاه .
ولم تذكر المصادر شيئا عن اسرته اوتلقي أي ضوء عنها، وأغلب الظن أنها كانت أسرة فقيرة مغمورة فلم يكن لأفراد اسرته مساهمة في مجال العلم و الأدب او مشاركة في ميدان الساسة و الحكم وكل ما استطعنا معرفته عن أسرته مجرد إشارات خاطفة تضمنها شعره من مثل قوله يهجو زوجته بعد ان ساءت علاقتهما فاضطر الى طلاقها فيقول:
أما الزمان فرق لي من طلة
كانت تطل دمي بسيف نفاقها
الذئبة الطلساء عند نفاقها
و الحية الرقشاء عند عناقها
و شعره يكشف لنا عن جانب من حياة الضنك والتعاسة التي كان الشاعر ينوء تحتهما. يتمثل فيما كان يحاصر الشاعر أسرته من شظف، و فقر و حرمان. و لا نعرف كيف نشا ا و درج، كما لاذت المصادر بالصمت المطبق فيما يتصل بصباه و طفولته، و أمسكت أشعاره التي انتهت إلينا عن الحديث تصريحا كان أو تلميحا عن النشأة و الطفولة و الصبا . الا اننا ومن خلال شعره ان نتصور ان ابن سارة أمضى أعوام الطفولة و الصبا في ( شنترين ) وقد اختلف فيها على نحو ما كان يختلف أقرانه إلى مجالس المؤدبين و المعلمين حيث تلقى مبادئ القراءة و الكتابة و استطاع حفظ القرآن الكريم و قواعد العربية و تجويد الخط ونظم الشعر والترسل . ثم مال إلى التوسع في الاستزادة من أداة التحصيل، فسعى إلى حلقات الدرس على الشيوخ ليسمع منهم أمهات الأصول في الأدب والنحو والحديث و الأخبار و يروي عنهم حتى حصل على حظ وفير من المعرفة بهذه المعارف وقد أستفاد منها عندما اشتغل بالوراقة و حين تصدر للتدريس، و في قرضه الشعر.
عاش الشاعر ابن سارة يعاني مرارة العيش والفاقة و بؤس العوز، شانه في ذلك في ذلك شأن عدد غير قليل من شعراء ذلك العصر ممن لم يتح لهم على الرغم من جودة ما كان ينشئ من شعر و نثر فلم يظفر بحياة رغيدة، ينعم في ظلها بالاستقرار و الطمأنينة فاضطر إلى الضرب في الأرض والتطواف بالآفاق ليعتاش بما عنده من الشعر والأدب في غمرة ما يسود المجتمع من اهتزاز قيم وانحلال او تحلل من الوقار، فغرق في الآثام، و جاهر بالمعاصي حتى حتى وصف حاله فقال:
كــــل شـئ غيــر شـئ مــا
خلا لــذة الهـوى و السلافـة
وهذه حال بعض الشعراء والادباء في عصرالطوائف ممن لم يكن من طبقة السياسين اوالمنتمين الى زمرهم او السائرين في ركابهم – كما هو الحال في الوقت الحاضر - فكان يكابد في سبيل الرزق الصعاب والجهد في الكسب في شعره في المدح والكدية السافرة وقد سدت في وجهه أبواب الرزق ويصف حاله فيقول:
أرى الدنيــــا و للدنيـا نسيبـــــا
يحيــد عن الكرام كما تحيــد
هما سيــان إن صفحت حرفــــا
وجـدت الــراء تنقص أو تزيــد
رأيت هواهمــا استولى علينــــا
فنحــن بحكمـه أبــدا عبيــد
يــــؤمل أن يصيدهما فـــؤادي
فيــرجـع عنهما و هو المصيــد
لقد كان يخيل لشاعرنا أحيانا، بأن فشله في الظفر بالمال مرجعه إلى سوء حظه و ليس إلى شئ آخر فيقول :
فمـا حســن التناول فــات سمعـي
ولكــن فاتــه الجــــد السعيـــد
يفـــــوز بــــه الخلـي فيحتـويـه
و يحرم وصله الصـب العميــــد
إلى كم ينفـــر الدينـار منـــــي
و يطلـب كــف مـن عنـــه يحيد ؟
ألـم أنشــده فـي واد هيامـــــي
بــه لو كـــان يعطفـه النشــيد ؟
حبيبــــي أنت تعلـم ما أريــد
و لكن لا تـــرق و لا تجـــيد

وماذا كان يتوقع أن يقوله شاعر بائس، محروم فيمن طرق أبوابهم ممن أبطرتهم النعمة فقتروا عليه و بخلوا و هو القائل :
و إني لألقى كل وجه بمثله
و لا عجب و الماء لون إنائه
لقد تظافرت عوامل شتى على نسج حياة ابن سارة بخيوط البؤس و الضنك و الحرمان، فيها ما كان ينبع من خارج ذاته و نعني به ظروف المجتمع الأندلسي وما فيه من اختلال سياسي. و اضطراب اقتصادي، و تحلل أخلاقي، و فيها ما كان ينبجس من ذاته و ما كان يتنازع في نفسه من طموح للمال و الثراء، و نزوع للهوى و المجون و هو لم يكن في ذاك الطموح و هذا النزوح إلا ابن بيئته و عصره .
وفي حدود ا لسنوات الأولى من العقد التاسع من القرن الخامس الهجري شهد ت البلاد دخول المرابطين و القضاء على ملوك الطوائف وكان اهم حدث لشاعرنا هو - سقوط مدينته ( شنترين ) في قبضة نصارى ( قشتالة) فاضطر الى مغادرتها الى ( غرناطة ) وكانت هذه نقطة التحول في حياته .
فما ان حل عصر المرابطين حتى تراجعت منزلة الشاعر أكثر من ذي قبل وأصبح التصريح بكساد الشعر أشد وأوضح .. وفي هذه الفترة ظهر ما يسمى (الشاعر المكدي ) الذي يذكرنا بشعراء الكدية ببعض شعراء المشرق في تحديد ما يطلبه من قمح أو شعير أو حبة أو غفارة أو خروف للعيد .
فشاعرنا ( ابن سارة ) كان من هؤلاء الشعراء الذين سدت في وجوههم أبواب الرزق فكان ما يحز في نفسه أن يرى -و هو البائس الفقير- غيره من ا لناس وخاصة الحكام والفقهاء والمحظوظين من الكتاب و الشعراء ينعمون كما شاءوا برغد العيش، ورفاهية الحياة واعلنها ( ابن سارة ) صراحة معاداة الزمن له وجوره عليه ويصف ذلك في شعره فيقول :
للنـــاس عيــش درت الدنيــا لهـم
مــن دوننا بنعيمــه و لــــذاذه
أخـــذوه مـــوفورا كما شاءوا و لم
يــــــؤدن لنا فنكون من أخـاذه
حضــروا غبنا شذذا و لربمــــا
حرم الغنى من كان من شـــــذاذه
و أراهم هذوا و أبطـــــانا و قــد
يــــدنو بعيد الخطو من هـذاذه
إني منيت من الزمــــــان بصاحب
قاســــي الفـــــؤاد خبيثه لـــواذه
و أغلب الظن أن هذا الإحساس نفسه هو الذي بصّر الشاعر بجدوى التنقل والتطواف بحثا عن مفاتيح النجاح ولم تحقق بهما النفس آمالها فيقول :
سافر فإن الفتى من بات مفتتحـا
قفل النجاح بمفتاح من السفـــر
إن شئت خضرتها يا ابن الرجاء فكن
في طي غمر الفيافي نائي الحضر
وليس مهما عنده ألا يجد المرء في تطوافه من الناس من يأوي إلى ظله فمن لم يجد الكرام فاللئام كثير فما الإقامة على الهوان في تصور الأحرار إلا ضربا من العجز :
سافـــــــــر فإن لم تجد كريما
فمــن لئيــــم إلى لئيــــم
مقــــام حـــر بــأرض هــون
عجــز لعمـري مـن المقيـم
وكان لا بد لنفس تحس بمثل هذه الخواطر في الأسفار أن تنتهي بصاحبها إلى أن يعلن في عزم و إصرار :
لا أم لــــــي إن لـــم أيمم مسلكا
يهـدي الحياة إلى فيه حمامي
و لم يكن ابن سارة وقد تعلقت نفسه بالأسفار بعد طول إقامته بمدينته ( شنترين ) لكنه هجرها مضطرا بعد احتلالها من قبل الاعداء فانتقل كما اشرنا سابقا الى ( غرناطة ) ثم تركها ليضرب في الارض ولا يقر له قرار في بلدة معينة فنراه يسكن مدينة ( المرية ) ثم يتركها ليسكن في ( اشبيلية ) وفيها اشتغل بالوراقة وكان ( له منها جانب و بها بصر ثاقب ) لكن ما عساه ان يكون و قد أصاب الأوساط الأدبية والعلمية في عاصمة الوادي الكبير فتور على إثر سقوط دولة (بني عباد ) ونفي اخر ملوكهم ( المعتمد بن عباد ) الى المغرب و قيام دولة المرابطين بقيادة ( يوسف بن تاشفين) فكسدت سوق الوراقة واقفر طريقها مما حدا بشاعرنا ترك الاشتغال بها بعد ان خاب أمله أن يستدر منها رزقا و قد عبر عن ذلك في بيتين من شعره :
أما الوراقة فهي أيكة حرفة
أوراقها و ثمارها الحرمــان
شبهت صاحبها بصاحب إبررة
تكسو العراة و جسمها عريان
وقد أخفق ابن سارة في الحصول على الرزق الموفور بواسطة ما كان يتقن من فن ويجيد من علم حتى وقّـّر في نفسه أن الذنب فيما يعانيه من الشظف و ا لحرمان ان مرجعه إلى أدبه فيقول :
قاضي الشرق أشرقني بريقي
نائبات يطلبن عندي ثارا
لا لذنب إلا لأني أديب
طاب عود منه فكان نضار
وكان يعتقد ان ( قيمة كل أحد ماله و أسوة كل بلد جهاله ) وهو يرى غيره من الناس ممن لم يتعب فكره بعلم و لم يشغل نفسه بأدب، يرفل في الثراء والمال و ينعم بالملذات فصور ذلك بسخرية و حسرة فقال :
عابوا الجهالة و ازدروا بحقوقها
و تهافتوا بحديثها في المجلي
و هي التي ينقاد في يدها الغنى
و تجيئها الدنيا برغم المعطس
إن الجهالــة للغنى جذابـة
جدب الحديد حجارة الحديد
ثم نراه يهجر ( اشبيلية ) الى (قرطبة ) ثم يهجر ( قرطبة) وينتقل الى عدة مدن اخرى من مدن الاندلس وحواضرها ويحمل في تجواله ما يجيد ه من العلم والادب والشعر للحصول على رزقه وكان يمني نفسه بوظائف الدولة، غير أنه رغم كل تفننه في الآداب و طول باعه في الإنشاء وعلى ما عرف به من حسن الخط، و جودة النقب وشدة الضبط فلم يحصل على وظيفة الكتابة الا بعد جهد جهيد . و يغلب الظن أن شعوره بالقلق و الاضطراب و محبته للسفر والتطواف و شغفه باللهو و المجون هو ما جعله يترك وظيفة الكتابة .
و في رحلة البحث عن المال و الرزق الطويلة تصدر ابن سارة للتدريس بعض الوقت فكان يدرس ما كان عنده من علم العربية و معرفته بالشعر الا انه لم يتفرغ لذلك كليا كما يتفرغ المدرسون للتدريس، و انقطاع شيوخ العلم للإقراء. وربما ترك الاشتغال بالتعليم لقلة ما يدر عليه من مال لايسد احتياجاته او ضيق الشاعر بالإقامة في هذا البلد او ذاك من البلدان التي كان يحل بها في أسفاره ورحلاته إخلاده لحياة اللهو والراحة و الفراغ كانت من الأسباب التي تحمله على ترك كل وظيفة حصل عليها.
و أيما كانت الحال، فمما لا شك فيه أن ابن سارة لم يشغل وظيفة الكتابة مدة طويلة، و نحن لا نعرف سبب انصرافه عمن كان يكتب لهم من الولاة و الرؤساء، و يغلب الظن أن شعوره بالقلق، و الاضطراب و تعلقه بالسفر، و التطواف و شغفه باللهو و المجون هو ما جعله
يترك هذه الوظيفة اوتلك .
ومع ذلك لم تكن لابن سارة مندوحة من اتخاذ أدبه وسيلة للسعي وراء الرزق فكان خلال تنقله في المدن يمدح فلما دخل ( اشبيلية) قد ا وصل نفسه برجالها البارزين ليظفر بأعطياتهم . وكان ممن مدحهم ا لقاضي الفقيه ( أبوبكر محمد بن عبد الله بن العربي المعافري) .
و لما دخل (غرناطة ) مدح واليها ( أبا بكر بن إبراهيم اللمتوني) ولما دخل ( قرطبة ) و اطمأن بها مدح (أبا القاسم أحمد بن محمد بن حمدين التغلبي ) أحد القضاة من بني حمدين الذين عرفوا بانهم قضاة ( قرطبة ) واشتهروا بتذوقهم للشعر و نقده فيقول فيه :
وأنا الذي أخفيت جهد خصاصتي
من بعد ما ارتشفت بلالة روح
حتى بدا ماء الندى مترقرقاً
في صفحتي طلق اليدين صفوح
وأجلت منه نواظري في غرة
تستنطق الأفواه بالتسبيح
قاضي القضاة المجتبى من معشر
كسبي المديح بهم حلى مديح
أنا يا بن حمدين وتلك مقالة
برئت شهادتها من التجريح
ممن ترف له عليك جوانح
فيها صحيح مودة وجنوح
كم قلت إذ قالوا زمان قابض
منه الكريم على عنان جموح
إن طاف من حدثانه بي
فمكارم القاضي سفينة نوح
و يغادر ( قرطبة ) ليحل في (مرسية) فيمدح فيها قاضيها (أبا أمية إبراهيم بن عصام ) قاضي قضاة الشرق المعروف بحبه للشعر والأدب .
واخيرا اقول طلب ابن سارة المال والجاه و سعى إليهما لكنه أخفق في مطلبه وتعثر في مسعاه ولم يسعفه حظه ولم يمتلك شيئا إلا أن يقر بفلسفة القناعة فيقول:
و أرى القناعــة للفتى كنـــزا لـــه
و البــر أفضــل ما بــه يتمسك
و حينا أخر يهاجم ا لدنيا على ظلمها له فيقول :
بنوا لدنيا بجهل عظموها
فعزت عندهم و هي الحقيرة
يهارش بعضهم بعضا عليها
مهارشة الكــلاب على العقيرة
توفي الشاعر في مدينة ( المرية ) سنة سبع عشرة وخمسمائة \ 517 هجرية - 1112 ميلادية .
كان ابن سارة أديباً شاعراً مفلقا قائماً على جمهرة واسعة من اللغة العربية والنحو والبلاغة والبيان ورواية الشعر وحسن الخط والضبط وكان جيد النقل مما يدلل انه كان ملماً بالتراث العربي. . ويمتاز شعره بالمتانة وعمق الإشارات اللغوية والتاريخية و كثر ة الاقتباس من القرآن الكريم والحديث والفقه وقال الشعر في اغلب الفنون الشعرية وقد اوردنا لبعض فنونه الشعرية فيما تطلبه البحث فقد نظم في المدح والغزل والرثاء والهجاء والوصف والخمرة والمجون ونقد المجتمع .
فمن غزله هذه الابيات :
يا ظبية كنست في أضلعي ورعت
سواد قلبي ورعي الظبية الشيح
أبت جفونك إلا أن يكون لها
هوى صحيح وأكباد مجا ريح
كم ذا يكدر بي منك الصفاء
وكم تهدى إلى كبدي فيك التباريح
لم يخل وجهك لي من وجه مرتقب
أنت الزلال الذي فيه التماسيح
ومن مجنونه يتغزل في مذكر فيقول:
أكرم بجعفر اللبيب فإنه
ما زال يوضح مشكل الإيضاح
ماء الجمال بخده مترقرق
فالشمس منه تعوم في ضحضاح
ذو طرة سبجية ذو غرة
عاجية كالليل والإصباح
مازحته ولم أدر ما جد الهوى
حتى قدحت زناده بمزاح
لولا العيون لكان من دون الهوى
وقلوبنا قفل بلا مفتاح
قامت علي شواهد من حبه
فأرى الكناية فيه كالإفصاح
ويقول في وصف بستان :
وبستان ورد في مطارف سندس
ترف على غيد السوالف ميد
نظرت إليه في الكمام فخلته
ذوائب تبر عممت بزبرجد
ولما ماتت ابنته رثاها بقوله:
ألا يا مو ت كنت بنا رؤوفا
فجددت الحياة لنا بزوره
حماه لفعلك المشكور لما
كفيت مئونة و سترت عوره
فانكحنا الضريح بلا صداق
و جهزنا الفتاة بغير شورة
وهو رثاء – لعمري – ماسمعت بمثله ينم من رثاثة في الحال وفقر مدقع .
واختم بحثي من شعره بهذه القصيدة :
اليوم أخمدت الضلالة نارها
واسترجعت دار الهدى عمارها
واستقبلت حدق الورى غرناطة
وهي الحديقة فوقت أزهارها
وكان تشريناً بها نيسان إذ
يكسو رباها وردها وبهارها
في غب سارية ترقرق أدمعاً
يحكي الجمان صغارها وكبارها
ما شئت من نهر كصدر عقيلة
شقت أناملها عليه صدارها
أو جدول كالنصل في يد ثائر
أنهى صحيفته وهز غرارها
ما بين أشجار تميد كأنها
شراب جريال يدير عقارها
مترنحون إذا لحاها عاذل
تركت سكون حلومها ووقارها
لله أروع من ذوائب حمير
راع العداة فما يقر قرارها
وافت به أرض الجزيرة عزمة
خلعت على حب الجهاد عذارها
ما هاله بيد تعسفها ولا
لجج كجنح الليل خاض غمارها
في فتية تسري إلى نصر الهدى
فتظنهم سدف الدجى أقمارها
خضبوا السواعد بالرقاق تفاؤلاً
أن سوف تخضب بالنجيع شفارها
وتلثموا صوناً لرقة أوجه
على السماح شعارها ودثارها
المنعمين على العفاة إذا شتوا
والناقضين على العدا أوتارها
غرسوا الأيادي في ثرى معروفهم
فجنوا بألسنة الثناء ثمارها
لم لا تراح شريعة التقوى بهم
وجفونها منهم ترى أنصارها
ضربوا سرادق بأسهم من دونها
وقد اشرأب الكفر يهدم دارها
فوقوا بخرصان الرماح جنابها
حموا بقضبان الصفاح ذمارها
ومسومات شرب إن أحضرت
نفضت على ثوب السماء غبارها
شهب إذا أوفت على أفق الوغى
جعلت أبا يحيى الأمير مدارها
متلثم بالصبح فوق أسرة
تهدي إلى شمس الضحى أنوارها
أورت زناد المسلمين له يد
بالنجح تقدح مرخها وعفارها
حاشى لأزند شرعنا من كبوة
ويد ابن إبراهيم توري نارها
أضفى مواردها أزاح سقامها
أحيى خواطرها أقال عثارها
أو لي أمة أحمد أبهجتها
مذ صرت من جور الحوادث جارها
حلبت لك الأنعام ضرعاً حافلاً
وأرت على أفنانها أطيارها
وأرى زناد الرأي منذ قدحتها
أوريت في مقل النجوم شرارها
فحط الرعية في مريع جنابها
وأرأب ثآها واصطنع أحرارها
ورد الأكابر من بنيها خطة
واردد كباراً بالحياء صغارها
واقذف نحو المشركين بجحفل
يمحو معالم أرضها ومنارها
لجب تظن السابغات به أضاً
زرقاً ونقع السابحات بحارها
واحلل عرى تلك الجماجم إنها
عقدت على بغض الهدى زنارها
وكأنني بك قد ثللت عروشهم
وسلبت بيضة ملكه جبارها
وقتلت بين نجادها أنجادها
وصرعت في أغوارها أغوارها
لا ترضى منهم بالنفوس تحوزها
سمر القناص حتى تحوز ديارها
وترى بها عيناك ليل ضلالها
ويد الهدى فيها تشق زرارها
صمتت سيوفك في الغمود وجردت
يوم النزال فحدثت أخبارها
لما احتست خمر الهياج نصالها
أهدت إلى هام الطغاة خمارها
زارتك في قصر الإمارة كاعب
زانت محاسن جيدها تقصارها
وضعت من الآداب محصن لبانها
وتجنبت ممذوقها وسمارها
تثني الليالي هائمات كلما
نفثت على أسحارها أسحارها
فأجل جفون رضاك في أعطافها
كرماً وشرف بالقبول مزارها
المنعمين على العفاة إذا شتوا
والناقضين على العدا أوتارها
واحلل عرى تلك الجماجم إنها
عقدت على بعض الهدى زنارها
صمتت سيوفك في الغمود وجردت
يوم النزال فحدثت أخبارها
امير البيــــــــــــــــــــان العربي
د فالح نصيف الحجية الكيلاني
العراق- ديالى - بلدروز
**************************

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق